فى يوم 11 سبتمبر، هتفت الحشود خارج السفارة الأمريكية فى القاهرة «يا أوباما، يا أوباما، نحن كلنا أسامة». وعرف الهتاف طريقه إلى تونس حيث هاجم حشد هناك السفارة أيضا وانتقل إلى قطر وغيرها من الدول الإسلامية.
●●●
فلماذا؟ ماذا حدث للشباب الليبرالى فى العالم العربى الذين عقدنا عليهم الأمل وقدمنا لهم المساندة؟ وما السبب فى أن المسلمين حساسون لهذا الحد، ويسهل استثارتهم، ولماذا يتأهب البعض بسهولة للجوء إلى العنف؟
لقد استطاع المتظاهرون الليبراليون الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية العام الماضى توحيد صفوفهم والإطاحة بالديكتاتوريين فى تونس ومصر. غير أن إخفاقهم فى توضيح ما تنادى به ليبراليتهم فتح الطريق أمام نخبة جديدة إسلامية التوجه، تستثمر أكاذيب قديمة وأنصاف الحقائق حتى تلوى عنق الدين والتاريخ لتتلاعب بالجماهير.
ويواجه قادة الأحزاب السياسية الوليدة ذات التوجه الديمقراطى فى مصر، أكثر بلدان العالم العربى حيوية من الناحية السياسية، التعثر بسبب المنافسات الأنانية، وعدم وجود قيادة مركزية، والنخبوية الحضرية، وعدم القدرة على التواصل مع الأغلبية الريفية. ولا تتمتع الشخصيات العلمانية البارزة مثل الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو نجيب ساويرس، رجل الأعمال البارز والسياسى، بسهولة الحركة فى مصر الجديدة. فبينما تناضل أحزابهم السياسية من أجل إيصال أى رسالة، يمتلك الزعماء الاسلاميين المؤهلات الدينية القوية القادرة على تعبئة قاعدة شعبية عريضة.
●●●
فما زالت المجتمعات العربية متدينة بصورة عميقة. ففى المملكة المغربية الليبرالية، قال 89 فى المائة من المغاربة إن الدين «مهم للغاية» فى حياتهم، وفقا لاستطلاع رأى أجراه مركز بيو مؤخرا. وتكتظ المساجد كل جمعة، وتشجع الأحداث الدينية أعمال الخير على نطاق واسع، ويتم تشجيع المؤمنين على مناصرة المرشحين الذى يتصور أنهم أكثر تدينا. ولكن هناك مشكلة أكثر عمقا تتخطى الجاذبية الشعبية للأحزاب الإسلامية: وهى القصص السرطانية التى تسيطر على عقول العرب.
ففى مصر، أظهر استطلاع مركز بيو أن 75 فى المائة من المسلمين لا يصدقون أن العرب نفذوا هجمات 11/9. ويعتقد الكثيرون أن من قام بها إما إسرائيل أو الحكومة الأمريكية أو كلاهما. وينظر إلى الغرب من خلال خليط من نظريات المؤامرة، وأنصاف الحقائق وقراءة انتقائية للتاريخ.
وفى أبريل 2011، عندما التقيت محمد مهدى عاكف، المرشد السابق القوى للاخوان المسلمين، أصر على أن القاعدة كانت فبركة من الخيال الغربى. ويدعم الدعاة فى المساجد وعلى شاشات القنوات التليفزيونية وفى الكتب الصادرة باللغة العربية فكرة عدم وجود القاعدة وأن الولايات المتحدة هاجمت نفسها.
●●●
وبشكل عام، ينظر إلى الولايات المتحدة والغرب باعتبارهما يشنان حربا على المسلمين. وتروج فيديوهات القاعدة لهذه الرواية باعتبارها استمرارا للحملة الصليبية. ويستدعى كثير من المسلمين حوادث العداء المتصور التى مرت فى حياتهم؛ حربى العراق وأفغانستان، والانتهاكات فى سجن أبو غريب وخليج جوانتانامو، وحظر المآذن فى سويسرا، وتحريم النقاب فى فرنسا؛ وقيام قوات حلف شمال الاطلسى بحرق نسخ من القرآن فى أفغانستان. وفى هذا السياق، يؤكد الفيلم الأخير المعادى للإسلام الاعتقاد بأن الغرب يستعد لتدمير الإسلام.
فى معظم البلدان الإسلامية يحتاج المواطنون إلى تصريح لإنتاج أفلام. ولا يتصور العديد من العرب أن المواطنين الأمريكيين لا ينطبق عليهم نفس القواعد. ويجب النظر إلى الهجمات على السفارات الأمريكية بعد إذاعة الفيديو المسىء «براءة المسلمين» ضمن هذا السياق.
وعندما أشاهد قناة الجزيرة باللغة العربية، تصدمنى الإشارات المتواصلة فى المقابلات الحوارية إلى «الخطة الأمريكية الصهيونية» أو «العدو الأمريكى» أو «الدولة الحليفة للكيان الصهوينى». وصار الهجوم على الولايات المتحدة جزءا من الثقافة السياسية لدى أكثر سكان الشرق الأوسط. ويعرضك تحدى هذه الثقافة إلى أن توصم بأنك «بائع للقضية» أو «خائن أو «عميل صهيونى»، أو أن يحكم عليك بالعزلة المجتمعية.
●●●
غير أن محلات ماكدونالدز وستاربكس وغيرها من الأسماء الأمريكية، ما زالت تحظى بشعبية فى شوارع العواصم العربية؛ مثلها مثل الملابس والتكنولوجيا والبرامج التليفزيونية والأفلام الأمريكية. وكانت نفس السفارات الأمريكية التى تعرضت للهجوم، تحاط يوميا تقريبا بصفوف طويلة من المتقدمين للحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة. وهناك نحو 50 ألف طالب سعودى فى الجامعات الأمريكية. ويتسابق عشرات الآلاف من أنحاء المنطقة ليحذو حذوهم.
فى اليوم الذى اندلعت فيه المظاهرات فى مصر وليبيا، كنت فى مكتبة الكونجرس فى واشنطن. وتضم حجرة القراءة الرئيسية فى المكتبة التى تأسست عام 1800، قبة رائعة عليها إهداءات لحضارات العالم، التى تدين لها الولايات المتحدة بالفضل، ومن أبرزها الحضارة الإسلامية. وتحتفظ المكتبة بمجلدين للقرآن مترجما، تبرع بهما توماس جيفرسون. وفى 1805 دعا الرئيس جيفرسون سفير تونس المسلم إلى البيت الأبيض على مائدة إفطار فى رمضان.
اليوم ينعم المسلمون فى أمريكا بحرية ورخاء أكثر من المسلمين فى أى مكان آخر فى العالم. وتكشف حياتهم اليوم أن الحكايات حول الحرب بين الولايات المتحدة والإسلام من قبيل الأساطير.
●●●
يقف العالم العربى عند مفترق طرق مهمة. وقد حان الوقت للتخلى عن هذه الحكايات الزائفة. ولكن، لم يبذل جهد كاف لتعريف الزعماء الدينيين العرب والمسلمين فى الشرق الاوسط بحقيقة الحرية الدينية فى الولايات المتحدة. ويؤدى سوء فهمهم للحرية إلى صمتهم؛ أو ما هو أسوأ: تحريضهم ضد الولايات المتحدة.
ومن شأن توجيه دعوة إلى الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية، والشيخ أحمد الطيب إمام الجامع الأزهر، أو الشيخ سلمان العودة الذى يتمتع بشعبية فى السعودية، لحضور خطاب حالة الاتحاد الذى يلقيه الرئيس فى الكونجرس، المساعدة فى إظهار أمريكا بصورة مختلفة أمام الشباب العربى المتدين. فرجال الدين هؤلاء، وآخرون مثلهم، يحظون بمساندة الملايين. ونحن نستطيع أن نخلق حكايات جديدة.
ويمكن أن تساعد الولايات المتحدة على ذلك بأن تكون حكما عادلا فى الصراع العربى ــ الإسرائيلى. وسوف تعزز إقامة علاقات أفضل مع 300 مليون عربى، النفوذ الأمريكى، كما ستساعد أكثر من سبعة ملايين إسرائيلى أيضا.
لا توجد دولة لديها ما تمتلكه الولايات المتحدة من قوة ناعمة. كما يستحق جيل جديد من العرب مستقبلا أفضل من اتباع جنون أولئك الذين يهتفون «يا أوباما، يا أوباما، نحن كلنا أسامة».