دستور الجزائر: «ثرثار» يتحدث عن حقوق لا يضمنها - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دستور الجزائر: «ثرثار» يتحدث عن حقوق لا يضمنها

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:10 م

نشرت «مبادرة الاصلاح العربى» ورقة بحثية لـ«ناصر جابى» ــ أستاذ علم الاجتماع ــ يتحدث فيها عن الدستور الجزائرى وما أدخل عليه من تعديلات. يحاول خلال الورقة تقييم التعديلات الأخيرة بإلقائه الضوء على تاريخ الدستور الجزائرى وأهم نصوصه، ويخصص الجزء الأهم عن الرئيس بوتفليقة والتعديلات التى أدخلها.

يبدأ جابى ورقته بأن المواطن الجزائرى وقف من التعديلات الدستورية المقترحة عليه فى 2016 الموقف نفسه الذى عبر عنه تقرير التنمية الإنسانية العربى، حول الحرية فى العالم العربى. إذ ورد فى إحدى خلاصاته: إن ما يمنحه الدستور فى البلدان العربية من حقوق عادة ما يأخذه القانون أثناء العملية التشريعية، وتقضى عليه الممارسة الفعلية، ليفرغ هذا الغطاء الدستورى عمليا من محتواه الإيجابى الذى قد يظهر به فى الأول.

جاء هذا التعديل بعد أربع سنوات من صدور حزمة من القوانين العضوية المتعلقة بالانتخابات والأحزاب والجمعيات وغيرها فى سنة 2012، وهى قوانين طالبت بإصدارها أحزاب المعارضة فى حينها وجزء من الأحزاب السياسية القريبة من السلطة، بعد التعديل الدستورى وليس قبله، مما كان يعنى البدء بتعديل الدستور أولا، وذلك عكس ما حصل تماما.
ورغم ذلك، فإن تلك قوانين لم ترق إلى مطالب القوى السياسية فى الجزائر، التى كانت تعيش أجواء الربيع العربى، إذ حاولت تلك القوانين أن تتكيف مع تلك المطالب بأقل الأضرار الممكنة. فماذا كان موقف المواطن والطبقة السياسية من هذه القوانين التى أصرت عليها السلطة ونفذتها بالشكل والتوقيت الذى ارتضته؟

يرى المواطن الجزائرى أن الحكم على الدستور يتم من خلال الممارسة الفعلية له، وليس على ما يدعى أنه يضمنه من حقوق نظرية مجردة. الرأى نفسه عبرت عنه المعارضة السياسية فى الجزائر التى قالت: إن التعديل الدستورى «لا حدث»، لأن المهم هو التطبيق الفعلى على أرض الواقع. قاطعت معظم أحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية المحسوبة عليها المشاورات التى دعا إليها رئيس الجمهورية أثناء عملية إعداد التعديلات الدستورية التى أشرفت عليها شخصيات رسمية مقربة من رئيس الجمهورية. ولم تختلف هذه التجربة عن التجارب السابقة، التى قامت كلها بإقصاء المواطنين من المشاركة فى وضع دساتيرهم الوطنية، منذ أول تجربة دستورية فى سنة 1963، إذ يكتفى المواطن عادة بدور المتفرج وغير المعنى، الذى يستشار فى أحسن الأحوال، بعد أن يعد الدستور ليعبر عن رأيه بلا أو نعم، فى استفتاءات محسومة النتائج مسبقا.

***

انتقل الكاتب بعد ذلك إلى التعديلات الدستورية فى الجزائر منذ الاستقلال والاضطراب الدائم الذى شهدته وطرق إقرارها وتمريرها؛ حيث كان كل رئيس للجزائر يعمل على تغيير وتعديل الدستور، وآخرهم بوتفليقة الذى عبر منذ وصوله إلى سدة الحكم؛ أكثر من مرة عن عدم رضاه عن الدستور الذى ورثه عن أسلافه. دون أن يتمكن من تغييره بشكل نوعى واقتراح دستور جديد للجزائريين يعكس روح العصر. فقد عاب على الدستور طابعه «الهجين»، فلا هو برلمانى واضح المعالم، ولا هو رئاسى، حسب وجهة نظره التى تتنافى مع واقع الحال. ليس على مستوى الممارسة التى استولى خلالها على الكثير من الصلاحيات بسياسة الأمر الواقع فقط؛ بل على مستوى النص الدستورى نفسه التى يقول إن الدستور الجزائرى مفرط فى طابعه الرئاسى، خاصة بعد تعديلات 2008 أيضا. حيث استولى بموجبها رئيس الجمهورية على الكثير من صلاحيات رئيس الحكومة الذى تحول إلى وزير أول ينسق أعمال الحكومة، دون أن يكون مسئولا أمام البرلمان، بل أمام رئيس الجمهورية الذى يكلفه بتطبيق برنامجه الرئاسى، مهما كانت الأحزاب الفائزة فى الانتخابات التشريعية. مما أدى فى أكثر من حالة إلى تعيين وزير أول من غير الحزب الفائز بالانتخابات. ورغم ذلك كان يتمكن من الحصول على موافقة البرلمان على كل القوانين التى يقترحها بوصفه سلطة تنفيذية.

***
يقول جابى إن الرئيس بوتفليقة تأخر فى تعديل الدستور، رغم انتقاده العلنى له فى خطبه الكثيرة منذ وصوله إلى سدة الحكم فى سنة 1999. وكان منتظرا منه أن يقوم بهذه التعديلات فى بداية عهدته الثانية 2004 عندما استتب له الأمر وتبين أنه قد حصل على كل صلاحيات «الرئيس» التى كان يطالب بها وليس «ربع الرئيس» كما عاب ذلك على الرؤساء الذين سبقوه.
اختار الرئيس بوتفليقة الإعلان عن الإصلاحات التى بدأها قبل تعديل الدستور، بقوانين حول الانتخابات والأحزاب والجمعيات، وكان خطاب الإعلان عن هذه الإصلاحات فى إبريل 2012 هو آخر خطاب موجه للأمة تمكن الرئيس من إلقائه وهو قادر على الحركة والكلام.

تمت هذه التعديلات فى ظل حراك إقليمى ودولى جديد، قد يكون عامل تفسير مهم لتأخير ظهور التعديلات والبدء بدل ذلك بالقوانين العضوية. فقد حاول النظام السياسى الجزائرى من خلال هذه القوانين امتصاص موجة الربيع العربى واستغلال عامل الوقت، فى انتظار تدهور الأوضاع فى بلدان الربيع العربى، كما كان يتوقع صاحب القرار الجزائرى. أنتظر تدهور الأوضاع فى التجارب العربية الفاشلة كسوريا وليبيا لاستعمالها كورقة ابتزاز للمواطنين الجزائريين والنخب المعارضة المطالبة بالتغيير. ولفرض حالة الجمود فى الجزائر التى قدمِت كحالة استقرار فى جو إقليمى مضطرب.

وزيادة على البعد الإقليمى، فإن اختيار بوتفليقة لتوقيت تعديل الدستور؛ جاء فى سياق الصراع السياسى داخل النظام السياسى نفسه، بين الرئيس والمنظومة الأمنية ــ العسكرية التى نجح الرئيس بوتفليقة فى إعادة هيكلتها وتغيير قيادتها قبل شهور قليلة من التعديل. وهو فى وضع صحى متدهور يهدد بإنهاء عهدته الأخيرة فى أى وقت. مما جعل التعديل الدستورى يظهر كصراع من أجل مرحلة ما بعد بوتفليقة، وتحضيرا لها. لذا يبقى السيناريو الأكثر احتمالا فى ذلك هو الاتجاه نحو نوع من التوريث العائلى أو الجهوى، وهو بذلك الضامن الوحيد للمصالح المالية والسياسية للعصبِ التى تكونت فى ظل حكم الرئيس بوتفليقة.

***
يستطرد الكاتب قائلا إن من التعديلات الدستورية ما هو إيجابى، نظريا على الأقل، كما جرت العادة فى التعامل مع النص الدستورى فى الجزائر. هناك عدد من التعديلات الايجابية منها مثلا«منح صلاحيات أكبر للنواب فى المجلس التشريعى بغرفتيه، منح حق المبادرة بنصوص فى مواضيع محددة لأعضاء مجلس الأمة وإمكانية إخطار المجلس الدستورى، الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية، التأكيد على الحريات الصحافية، إصدار أحكام سالبة للحرية فى قضايا الإعلام المرفوعة ضد الصحفيين، وغيرها. مع ذلك يرى جابى أن التعديلات لصالح السلطة التشريعية طفيفة، لم تصل إلى حد خلق توازن فعلى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولا يعتقد أن التعديلات الدستورية ستؤدى إلى تغييرات جوهرية فى آليات تسيير مؤسسات النظام السياسى الجزائرى، وتوازناتها الداخلية. كتلك العلاقات التى تحكم موازين القوى بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية المتغوِلة. كما أنها لن تؤدى إلى تغيير نوعية العلاقات مع المواطن الجزائرى الذى ازدادت حدة تذمره من الأوضاع القائمة.

إن تخوفات المواطنين وجزء من الطبقة السياسية سرعان ما وجدت تجسيدا واقعيا لها، من خلال إصدار القوانين المتعلقة بالانتخابات فى يونيو 2016 والتى اعتبِرت بداية لقوانين عديدة ستصدر لاحقا لتكييف القوانين العضوية التى تمت المصادقة عليها فى 2012 مع التعديل الدستورى الجديد.

ويختتم جابى الورقة قائلا إن عملية التشريع بما جاءت به على مستوى الشكل، وما عرفته من مقاطعة للمعارضة البرلمانية، ناهيك عن محتواها الإقصائي؛ كفيلة بجعل الجزائريين يتذكرون الفكرة التى جاء بها تقرير التنمية الإنسانية العربى: إن ما يمنحه الدستور؛ يأخذه القانون، وتلغيه الممارسة!

 



النص الأصلى

دستور الجزائر: "ثرثار" يتحدث عن حقوق لا يضمنها

التعليقات