لسنا كلنا فى نفس القارب - نادر بكار - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لسنا كلنا فى نفس القارب

نشر فى : الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:00 م

لم تكن كارثة غرق قارب رشيد هى الأولى من نوعها؛ ولم يكن حجم الضحايا هو الأضخم، ولم تكن فجيعة الأهل هى الأفدح، ولم تكن عبارات الشماتة هى الأوقح، ولم يكن تبرير الإعلام هو الأسخف، ولم يكن رد فعل الدولة هو الأبطأ والأسوأ والأبرد... فتش فى تاريخ هذا الشعب المسكين ولسوف تجد من المصائب ألوانا وصورا تدع الحليم حيرانا على الأقل فى السنوات الأخيرة... فى كل مرة نكتشف كمَ الهوان الذى نحيا فيه... هوان يتقاسمه تسعون بالمائة من هذا الشعب على أقل تقدير... وهؤلاء فى الحقيقة يشاركون ضحايا حادث رشيد قاربهم... أما الباقون فلهم قارب آخر لا يشبه مركب الصيد قدر ما يشبه اليخت الفاخر!

**************************
(٢)
هذه هى المرة الأولى على حد علمى التى يكتشف فيها باقى المصريين أن أُسرا كاملة من بنى جلدتهم تزج بكل أفرادها بمن فيهم الرضع والأمهات على متن مراكب الموت تلك... كانت الصورة الذهنية لدى الأغلبية الكاسحة أن الشباب وتحديدا الذكور منهم وربما من لم يتجاوز العشرين من عمره هم دون غيرهم رواد هذه المحاولات الانتحارية... قبل شهر تقريبا تعرفنا على طفل مصرى لم يعرف عن الدنيا إلا وجهها القاسى قد خاض نفس أهوال البحر لكن الموت أخطأه... لتلتقطه الحكومة الإيطالية وتسمع الدنيا بعدها بخبره ما بين مستنكر ومشفق ومنتقد إلخ.
الآن نعرف أن الأسرة حديثة التكون على استعداد أن تلقى بنفسها وأطفالها بين أنياب موت محتمل منفقة فى سبيل ذلك عشرات آلاف الجنيهات منتظرة أن يصيبها بعض ما أصاب من سبقها... آلاف الجنيهات جُمعت بالاستدانة وبيع البيوت والحُلى البسيطة ومدخرات الأهل ثمنا لرحلة الموت.

**************************
(٣)

ما جمعه القارب من هؤلاء المساكين يكفى ــ على سوء أحوالنا الاقتصادية ــ لبدء بضعة مشاريع صغيرة على حد تعريف مثل تلك المشاريع عند المؤسسات المصرفية المصرية ووفقا لمبادرة البنك المركزى... لكن الفساد الذى نتنفسه ولا نجرؤ على مواجهته، والاحتكار الذى نكتوى به ولا نقدر على دفعه، والمحسوبية التى نتبادلها ولا نريد إنهاءها وغير ذلك من الأسباب تجعل هؤلاء الضحايا على استعداد لبذل أنفس ما يملكون فى رحلة كهذه ولا يعتبرون الإقدام عليها انتحارا... إنما أن تحدثهم عن مشروع يجمعهم بأقل من هذه الأموال وعلى نفس هذه الأرض وأن ترعى الدولة ويهتم الإعلام ويتفاعل المسئولون وتُذلل العقبات... فأنت إذا من يحدثهم عن الجنون المُطبق!
**************************
(٤)

الحسبة كلها واحدة... معقدة نعم لكنها فى النهاية واحدة... كلم الناس عن التقشف حينما يرونه واقعا على غيرهم... اتل عليهم آيات الصبر وتدين بها معهم... هؤلاء يرون على شاشات التليفزيون أن على أرض بلادهم ما هو أكثر رفاهية من أوروبا التى بها يحلمون... مدن كاملة ليست كمدنهم، مدارس ليست كمدارس أبنائهم، بيوت لم يروها حتى فى الأفلام الغربية... وبعد كل هذا تتسابق أجهزة الدولة على انتزاع كسرة الخبز المتسخة من أفواه أبنائهم.