أين النخب السياسية العربية؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين النخب السياسية العربية؟

نشر فى : الأربعاء 26 ديسمبر 2018 - 10:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 ديسمبر 2018 - 10:00 م

نحن نقترب من الذًّكرى الثامنة لاندلاع حراكات وثورات الجماهير الشعبية العربية فى العديد من بلاد العرب، غالبيتًّها بقيادات عفوية من قبل شباب الأمة. لقد نجح البعض وتعثَّر البعض الآخر، كما سرقت بعض الحراكات من قبل الانتهازيين واخترق بعضها الآخر من قبل استخبارات الخارج والداخل.
أحداث جسام مرت على كل مكونات هذه الأمة العربية أدت إلى تغييرات هائلة عبر الوطن العربى كله. لم يسلم أحد من نيرانها وابتذالاتها وجنونها، وكل القيم والالتزامات والمحرمات القومية والدينية دُنست أو نُسيت.
أمام هكذا مصاب جلل يسأل الإنسان نفسه: هل استفاقت وتعلمت نخب الحكم والمجتمعات المدنية السياسية العربية من تلك الدروس المريرة أم أنها ستستمر فى التلهى بصراعاتها وخلافاتها وحَبْك المؤامرات على بعضها البعض؟
الجواب واضح فى التعامل الفردى والجماعى، من قبل الدول والجماعات، مع أسوأ وأفجع المشاهد عبر الوطن العربى.
نراه فى السكوت العربى المريب تجاه سوريا المهددة بالتقسيم فيما بين قوى خارجية وداخلية، التى تنزف دما على يد جحافل الجهاد التكفيرى الإرهابى تحت حماية وتمويل هذه الجهة الخارجية أو العربية أو تلك، المؤجلة عملية إعادة إعمارها حتى حين قبولها بشتى الابتزازات والشروط، وبالتالى إبقاء نصف شعبها فى المهاجر والغربة والإذلال إلى حين إيصالها إلى حالات اللا عودة.
نراه فى الإنزواء العربى عن ليبيا المرشحة للعودة إلى ولاءات البداوة لتفتيتها وتوزيع ثرواتها البترولية والغازية بين سراق الخارج والداخل.
نراه فى العراق الذى ما إن يحبو خطوة سياسية وطنية إلى الأمام حتى يرغم، من قبل قوى الخارج والطائفية الداخلية، على التراجع خطوتين إلى جحيم الانقسامات العرقية وبلادات الطائفية، والنتيجة أن يشرب شعب بلد النهرين ماء مالحا ملوثا، ويأكل أطفال بلد الخيرات الزراعية من صناديق القمامة.
نراه فى الدمار البشرى والعمرانى الذى يعيشه اليمن، الذى قاد إلى نشر الأوبئة والجوع والعرى فى ربوع ذلك البلد المنكوب وأحال أطفاله إلى أشباح من عظام وجلد، وقلب شعبه العربى إلى عبيد لهذه الجهة أو تلك.
نراه فى فلسطين المحتلة التى تنزف دما وتذرف دمعا وتخسر أرضا ليل نهار على يد الاحتلال الصهيونى والاسناد الاستعمارى الأمريكى الدينى والسياسى والعسكرى والاقتصادى، هذا بينما تعيش بعض أنظمة حكم العرب وأبواقها الانتهازيين الفاقدى الضمير الإنسانى فى أوهام فوائد ومزايا وضرورات التطبيع مع الكيان الصهيونى الغاصب الإرهابى.
نراه فى شتى بقاع الأرض العربية فسادا ونهبا وتراجعا خدميا معيشيا، وانتهاكا للحقوق الإنسانية والسياسية، وسجونا ممتلئة، وموجات هجرات سكانية إلى المنافى والغربة والإذلال، ورجوعا للاحتلال وللنفوذ وللتدخلات الاستعمارية بشتى الأشكال والمستويات.
***
فى خضم كل ذلك ضاعت فضائل القيم والالتزامات الوطنية والقومية العروبية والأخوة الدينية، لتحل مكانها مرجعيات الولاءات المذهبية الطائفية أو الجهوية أو العرقية أو القبلية أو النفعية.
وزاد الأمر سوءا أنه بدلا من تفاهم النخب السياسية العربية على وضع حلول عربية ذاتية متوازنة للخروج من تلك الأزمات اتجهت أنظارها إلى الخارج، وتفويض قوى الخارج لتضع الحلول لتلك المشاكل العربية.
ما عاد يسمع صوت عربى، ولا يسمع الناس عن مقترحات عربية. ما يسمعه الناس هى مقترحات تقدمها أمريكا أو روسيا أو فرنسا أو تركيا أو إيران أو القوى الصهيونية أو الأمم المتحدة أو غيرها. الصوت الخارجى يملأ الدنيا ضجيجا بينما ينقلب الصوت العربى إلى همس واستعطاف وقلة حيلة.

والنتيجة بالطبع هى الفشل. فشل فى الداخل وفشل فى الخارج، بينما تحترق الأرض العربية، ويتدمر اقتصادها، وتفقد استقلالها وتعيش مجتمعاتها حياة الشلل والخوف واليأس والكفر بكل قيمة أو التزام.

هذا الوضع ما عاد يطاق، ولا يليق بهذه الأمة، وإذا استمر فسيقود إلى كوارث سياسية واقتصادية وأمنية، بل حضارية، مهددة للوجود العربى برمته. ما يجب أن يعرفه الجميع أنه لن ينجو أحد، وأنه لن تكون هناك سفينة نوح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. بداية الطوفان كانت تلك الحراكات والثورات العربية منذ ثمانى سنوات. ما حدث لها ليس هو الموضوع. الموضوع هو العوامل التى قادت إلى حدوثها آنذاك، والتى لا تزال موجودة بألف شكل وشكل فى كل المجتمعات العربية. والموضوع هو فهم ما وراء خروج الجماهير الهائجة فى مدينة البصرة ومدن السودان وبيروت وعمان وشتى أنحاء تونس والمغرب. ويخطئ من يعتقد أن الهيجان سيقف هناك، فالأرض العربية كلها أصبحت رمالا متحركة.
***
هناك جهتان يجب أن تفعلا شيئا قبل فوات الأوان: النخب السياسية العربية الحاكمة والنخب السياسية الفاعلة فى المجتمعات المدنية العربية.
النخبة الأولى تحتاج أن تناقش الأمور فى الجامعة وفى مؤسسة القمة بصراحة وبروح تفاهم وبشعور بعظم المسئوليات القومية. سكوتها وترددها وشللها ما عاد يفيدها منفردة أو مجتمعة.
النخبة الثانية تحتاج أن تبدأ بتكوين نواة كتلة عربية سياسية نضالية سلمية للمساهمة فى إنقاذ مجتمعاتها من الجحيم الذى نعيشه.
هناك تفاصيل كثيرة بشأن جدول أعمال النخبتين لا يسمح المجال للدخول فى تفاصيلها وتعقيداتها. النخبتان يجب أن تعملا على بناء سفينتى نوح وإلا لا منجى من أمر الأمواج الهائلة التى تحيط بهذه الأمة المنكوبة.
بنود مترابطة - 7

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات