ثم ماذا بعد؟ حديث المخاطر - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثم ماذا بعد؟ حديث المخاطر

نشر فى : الأحد 27 يناير 2013 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 27 يناير 2013 - 8:45 ص

بحكم اعتبارات موعد تسليم المقالة إلى الجريدة، أكتب هذا المقال ولم تتضح بعد على ماذا ستغربُ شمس هذا اليوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١٣، والذى لأسباب باتت مفهومة لم يكن احتفالا بثورة «غيرت مفهوم الثورات»، كما تقول كتب السياسة، بل استدعاء لأجوائها، وشعاراتها بعد أن شعر الكثيرون ولأسباب أيضا باتت مفهومة أنها ذهبت فى غير طريقها. كما لم يتضح بعد تداعيات حكم «محكمة الجنايات» فى مجزرة بورسعيد، بعد أن فقدت العدالة احترامها، نتيجة ترويج لم تُحسب عواقبه لمفهوم أن «كل» القضاء فاسد. وبعد خلط جانبَ الحكمة بين «القضاة» كأفراد؛ منهم من يصيب، ومنهم من يخطئ، وبين «القضاء» كمؤسسة لابد منها ليستقيم الحكم فى البلاد.

 

 

لم يعد من المفيد، بل ولعله قد أصبح من نافلة القول تكرار الحديث عن الأسباب التى أدت بنا؛ ثورة، وشعبا، ووطنا إلى اللحظة التى تتشكل ملامحُها عنفا أمامنا الآن. فذلك حديث أشبعناه وغيرنا كتابة وقولا و«خطابات مفتوحة» إلى ذوى الشأن وأصحاب القرار. ونحسب أن «فقه الوقت» يقتضى منا أن ندرك أن هذا أوان النظر إلى الأمام. فيما وراء أفق يبدو ولم ينتصف النهار بعد داميا «دون شفق».

 

 

ماذا ينتظرنا من مخاطر «لنتحسب لها» بعد ارتباك إدارة عامين من الثورة؟ هل هو شبح «الدولة الفاشلة» كما وصفها وزير العدل بالأمس تعليقا على طريقة التعامل مع القضاء؟ أم هى «الدولة العسكرية» التى استدعاها البعض وتمناها آخرون «نكاية فى خصومهم»، وخيانة لليبراليتهم، أم هى دولة «الفاشية الدينية» كما حلم بها، أو لوح بها آخرون فى تصريحاتهم المنشورة. أم هى «الدولة المنقسمة» على الهوية، كما بدا فعلا على الأرض بحمق تصرفات هنا وتصريحات هناك، أم لعلها «نهاية الدولة الوطنية» أصلا.. كما سمعت قبل أسبوع من مسئول فى جهاز سيادى كبير؟

 

 

•••

عَكَسَ ما بدا للبعض وهو غير ذلك ظهورا مفاجئا لأصحاب الأقنعة السوداء Plack BlocK بعض جوانب الأزمة، وبعض ظلال للمخاطر المفترضة. ليس فقط لكونه تلويحا باحتمالات غير محسوبة من عنف وفوضى.. وردود فعل، وإنما أيضا لاستسهال البعض اللعب بنار الطائفية الخطرة، حين لا يجد مخرجا من أزمته «الحقيقية» غير نسبة الظاهرة «غير الدينية أصلا» إلى الكنيسة. بالضبط مثلما فعل قبل أسابيع دون أدلة واستباقا لأى تحقيق بترويج مقولة إن حادث القطار الذى راح ضحيته ١٩ من جنود الأمن المركزى ما هو الا «حادث مدبر» بدليل أن قناة تليفزيونية معينة بادرت بإذاعة الخبر، وبدليل أن سائق القطار (والذى كان من الممكن واقعيا أن يلقى حتفه فى الحادث) يُستَدلُ من اسمه أنه قبطى (!). والحاصل أن هؤلاء العائشين فى قوقعتهم، لو أدركوا حقائق العولمة وواقع «عصر انسياب المعلومات»، «وساروا فى الأرض»، امتثالا لهدى قرآنهم، لعرفوا أن الظاهرة «العولمية» قديمة تعود إلى ثلاثة عقود خلت. ولا علاقة لها بالدين أو بنزاعاته من قريب أو بعيد. وأنها اشتهرت عندما ناصرت «حق العودة» للفلسطينيين فى مظاهرات فى واشنطن، ثم أخذت مكانها البارز إعلاميا عندما ساهمت فى إفشال اجتماعات منظمة التجارة العالمية فى سياتل ١٩٩٩

 

 

عدم إدراك حقائق العصر يمثل أحد الجوانب المهمة لأزمة اللحظة الراهنة فى مصر. سواء عند الذين خرجوا قبل أسابيع يطالبون «بعودة الأندلس»، أو عند أولئك الذين استهانوا بحجم وقوة من باتوا يعارضونهم، رافضين قراءة حقيقة المشهد «على الأرض» بعد أن اطمأنوا لاختزال المعارضة فى أشخاص تصدر بيانات أو تظهر على شاشات التليفزيون. غافلين عن حقيقة أن المعارضة الحقيقية التى لا يمكن الاستهانة بها تتمثل فى الناس الذين باتوا لأسباب مختلفة معارضين للنظام الحالى وقواه الحاكمة. وهو ما أشرنا اليه فى هذا المكان قبل شهر كامل، وأن هناك بعيدا عن السطح، ولكنه فى «قلب» المشهد، وقادر على «قلب» كل موازينه، أو على الأقل إرباكها تلك الجماهير العريضة «الناس» الذين لا تسمع لهم صوتا، ولا يصدرون بيانات، ولا يعنيهم ارتداء قبعات «الائتلافات أو القوى السياسية»، ولكنهم على الأرض، وفى ناتج المعادلة «القوة الحقيقية». ثم إن هناك وهنا بيت القصيد شباب متمرد (٦٥٪ من تعداد السكان) أنضجته الثورة، والاحتكاك بالعالم الخارجى وما أدراك ماذا يعنى الاحتكاك بالعالم الخارجى.

 

 

عدم إدراك حقائق العصر يبدو أيضا فى حديث أصبح مملا عن الإعلام، وتحميله كل الأوزار والخطايا. وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة فى هذا الملف عرضنا لبعضها فى مقالين سابقين، إلا أنه من المقلق على مستوى إدراك البعض لحقائق لعصر، حديثهم أحيانا عن «الحجب» كوسيلة للتخلص من «آثام الإعلام والإعلاميين» غير منتبهين إلى أن حقائق العصر وتقنياته لم تعد تسمح بالتفكير فى «حجب أو منع». فسحب ترخيص قناة ما كما ذكرنا مائة مرة فى مقالات واجتماعات رسمية لن يمنعها من أن تبث فى اليوم التالى من أى مكان على سطح الكرة الأرضية. كما أن محاولة حجب مواقع على الانترنت، هى محاولة مكلفة «ماديا وسياسيا» وهى قبل كل ذلك فاشلة عمليا كما يقول المتخصصون.

 

•••

وبعد..

«الحكم عنوان الحقيقة»، فهل يرضى «الخصوم» بما ينطقه القاضى فى قضية بورسعيد؟ وهل يخلع أصحاب الأقنعة السوداء أقنعتهم؟ وهل تظل القوات المسلحة كما تعهدت بعيدة عن مستنقع السياسة «درعا للوطن» وملكا لشعبه؟ وهل يغمد هؤلاء الحمقى اللاعبون بالنار أسلحة فتنتهم الطائفية؟ وهل يدرك «منتسبو الليبرالية» أن للديمقراطية ثمنها؟ وهل تتخلى تلك النخب السياسية لا أستثنى أحدا عن حساباتها الآنية الضيقة؟ وهل يدرك من فى القصر حقيقة مصر، وحقائق العصر؟

 

 

لا أعرف.. ولكنى أحسب أن المستفيد الأول من المشهد هم اولئك الذين يحاولون إعادة إنتاج النظام السابق (انظر حولك). والمسئول الأول عن ذلك هو من أحدث انقساما مهد الطريق إلى هذا. وأن الضحية الأولى هى مصر وشهداؤها.. والمستقبل.

 

 

يعرف العسكريون أن القائد الذى يخسر جنوده يخسر الحرب. ويعرف السياسيون أنك عندما تخطئ تحديد العدو، تخسر الحرب كلها. كما يعرفون أن وحدة الجبهة الداخلية شرطٌ أول لمواجهة المخاطر والتحديات؛ خارجية كانت أو داخلية. ونعرف جميعا بالتجربة أنه عندما يكسب العدو المعركة، يتفرغ الخاسرون عادة لتبادل الاتهامات، والبحث عمن نعلق فى رقبته الجرس.

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات