المراهقة السياسية والدينية - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المراهقة السياسية والدينية

نشر فى : الجمعة 27 يناير 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 27 يناير 2017 - 10:00 م
• ذهب معمرالقذافي لجامعة طرابلس في السبعينات,كان عاشقاً منذ صغره لهتافات الجماهير التي تشجيه وتطربه,كلما قال كلمتين هتفت الجماهير ثلث ساعة كاملة مكررة الهتاف "فاتح..ثورة ورجال".

• أذن الظهر فصلي الظهر ركعتين إماماً بالجموع الحاشدة,استدرك عليه البعض, وكان وقتها لديه مسحة تسامح في سماع الآخرين قبل أن يظهر الحديد والنار لشعبه قالوا له: الأخ العقيد صلاة الظهر أربع ركعات وليست اثنتين,قال: يا جماعة يا جماعة..الشريعة سعة,إذا كنت مشغولاً مثلنا يمكنك أن تصلي الظهر ركعتين أو ركعة,أما إذا كان لديك وقت يمكنك أن تصليها أربع أو خمس أو حتي ست ركعات,امتعض البعض وهلل آخرون لهذا الفتح الديني العظيم.

• في خطبة له بالأمم المتحدة ألقى ميثاق الأمم المتحدة علي الأرض,وفي حوار صحفي وضع قدميه علي المنضدة أمام ضيوفه والمشاهدين,كان يصر علي أن يقدمه الرؤساء في القمم العربية بهذا اللقب"قائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم ورئيس اتحاد إفريقيا وملك ملوك القارة الإفريقية".

• قدمه بذلك مبارك في إحدى القمم مضطراً وهو يسخر منه في أعماق نفسه,كان يصر علي اصطحاب خيمته التي تكلفت 300 ألف دولار في كل زيارة رسمية وتنصب في مكان ما في قصر الضيافة.

• حينما ذهب إلي الرئيس اليوغسلافي الأسبق"تيتو" أصر علي اصطحاب بعض الجمال معه لترعى بجوار الخيمة لاستكمال الرومانسية البدوية الساذجة.

• اسمى دولته الجماهيرية الليبية العظمى,وهي لم تصنع مسدساً أو جهازاً طبياً حديثاً أو حتي تقلده أو تخترع شيئاً وطوال أربعين عاماً لم يحصل أحد علمائها علي جائزة علمية عالمية أو يبرز أحدهم في أي مجال علمي عالمي.
• كان القذافي نموذجاً للمراهقة السياسية,هذه المراهقة السياسية والفكرية والدينية هي السبب في معظم مآسي الأمة العربية,النظم الجمهورية أكثر مراهقة من النظم الملكية التي تعد أكثر استقراراً وأفضل اتزاناً وحكمة وأعظم تريثاً في اتخاذ مواقفها السياسية والدينية والفكرية.

• فضلاً عن أن المراهقة الفكرية والسياسية تظهر بوضوح عقب الثورات حيث يخرج إلي السطح دائماً مراهقي السياسة والفكر والدين الذين "يأخذون رأس القبة ويطيرون" في كل قضية علي رأى المثل المصري الشهير ويعشقون دغدغة العواطف ويكرهون مخاطبة العقول ويحبون المطلق ويكرهون قياس الأولويات وفقه المصالح والمفاسد وسنن الكون وعلي رأسها التدرج.

• تفكرت طويلاً في رسالة داعش إلي أوباما حينما كان رئيساً لأمريكا وكان عنوانها "إلي أوباما كلب الروم",قلت لنفسي: هؤلاء مراهقون وحمقى في الوقت نفسه ,لم يعجبهم من التاريخ الإسلامي سوى رسالة المعتصم إلي ملك الروم في مناسبة مخصوصة,ما علاقة أوباما الأسمر من أصول افريقية وإسلامية بالروم؟,وما علاقة أمريكا ببلاد الروم التي هي الآن تركيا ؟

• والمعتصم حينما قال ما قال كان يملك هزيمة ملك الروم,أما هؤلاء فيرفعون عقيرتهم بخطاب الحرب وهم لا يستطيعون صنع "مسدس" ويريدون حرب العالم كله الذي يملك

أعتى الجيوش دون أن يملكوا أي جيش حديث أو علم عسكري أو خبرة سياسية.

• والغريب أنهم رفضوا استلهام خطاب النبي الكريم "إلي هرقل عظيم الروم" أو "إلي المقوقس عظيم مصر" هم لا يهمهم النبي الكريم"ص" كثيراً ولكن يهمهم العلو الكاذب المبني علي الأوهام.

• في رابعة صعد شيخ كبير المنصة وقال:"أنا أدعو وزير الداخلية أن يشرب "بريل" ويسترجل ويأتي ليفض رابعة", لم يكذبه الوزير طويلاَ, استجاب لدعوته و"شرب البريل واسترجل" وحدثت المأساة الموجعة,ترك الرجل رابعة وهرب تاركاً الغلابة يموتون لأنهم وثقوا في مثل هذا الرجل,يرغب في حرب لا يريدها حقيقة ولا يرغبها,خطاب مراهقة لا نظير له,لو قالها شاب في العشرينات لالتمسنا له العذر, أما أن يقولها رجل في الستينات فلا عذر له.

• وقف آخر علي المنصة مستحضراً خطاب الحجاج:"إني أرى رءوساً قد اينعت وحان قطافها",سعد بالكلمة والهتافات العاطفية المدوية بعدها استراح ضميره لأنه دغدغ عواطفهم بقطع رءوس الخصوم, والرءوس التي قطفت هي رءوس الشباب المتدين البسيط الذي باعه الجميع وضحي بأرواحه دون أدني مبرر في مأساة مروعة.

• في التسعينات أراد أحد المسئولين المصريين العاملين في أحدى السفارات المصرية في أوروبا التفاهم مع قيادي إسلامي في أوروبا لوقف هذه العمليات الإرهابية ترى ماذا قال له هذا القيادي؟ اشترط عليه طرد السفير الإسرائيلي وتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر,لم يعلم المسكين أن مبارك نفسه لا يستطيع أن يفعل ذلك. ترك هذا القيادي كل الطلبات المعقولة والممكنة مثل تحسين ظروف السجون وإطلاق المعتقلين التي لم تصدر ضدهم أحكام ووقف التعذيب وما إلي ذلك وأخذته الجلالة وتلبست بعقله المراهقة الفكرية والسياسية فزايد علي الممكن وأضاعه وتشبث بالمستحيل فسخر الرجل من عقله وقال لنفسه :كيف يعيش هذا في أوروبا ؟!والحقيقة أنه يعيش هناك بجسده ولكن عقله يسرح في الوديان والبراري قبل قرون ساحقة.

• خطاب المراهقة ضيع مصر في الستينات كان ناصر يرتجل خطاباته ويطلق العنان لنفسه,فيشتم تارة الملك حسين بشتائم نابية لا تليق,ويهدد أحد ملوك السعودية ينتف لحيته,أو يهدد إسرائيل قائلاً "سأرمى إسرائيل ومن وراء إسرائيل في البحر" وهو لا يريد الحرب حقيقة وليس مستعداً لها,وكانت نتيجة المراهقة السياسية هي هزيمة 5 يونيه المروعة والأليمة.

• أما صدام حسين فقد بلغت مراهقته السياسية مداها حينما زج بدولته في حرب عبثية مع إيران كانت لخدمة أمريكا التي خذلته بعدها ,ولم يتعلم الدرس فغزا الكويت ووقع في مراهقة سياسية خطيرة باعتبارها المحافظة رقم19 في العراق, ظنا منه أنه بهذا المرسوم الجمهوري قد حل المشكلة ,وأن العالم سيقف مكتوف الأيدي ما دام قد صدر هذا المرسوم.

• لدينا إعلامي قال منذ شهور "إن السجون المصرية فنادق 8 نجوم" لو قال "إنها نجمتين" لم يصدقه أحد,ولكن المراهقة الإعلامية جعلته لا يستحي أن يطلق هذه الترهات.

• المراهقة السياسية والدينية والفكرية بلغت في مصر مداها الأعلى بعد ثورتي 25يناير و30يونيه,مراهقات وترهات لا حدود لها,الثورات تعقبها سذاجة وخبل وجنون لا حدود لها, يختفي العقلاء ويظهر الحمقى,تشعر أن الحكماء قد انقرضوا من الأرض أو اختفوا فجأة, وصدق الله سبحانه وتعالى " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " اللهم ارزق كل متصدر لأمر العامة الحكمة والتريث واصرف عنه المراهقات والشهوات بأنواعها.
التعليقات