فرص مُضَيَّعة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فرص مُضَيَّعة

نشر فى : الأربعاء 28 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 مارس 2012 - 8:00 ص

من الظواهر اللافتة للنظر اتصاف المصريين بقصر النفس، وعدم مواصلة استثمار فرص مواتية حال استشعارها، بعكس المثابرة على ندب المكاره وجلد الذات حول الحظ السيئ (نكسة 67 مثالا). ولعل أخطر مثال للقصور كان نصر 1973 الذى مر بمراحل تشابه ما عشناه منذ 25 يناير 2011. ففى بداية السبعينيات قام الشباب (جيل أبوالفتوح وحمدين صباحى) بالتعبير عن إرادة الشعب فى التخلص من آثار النكسة، وبادروا بالعبور مجندين ومتطوعين، تحت قيادة قادة عظام أجادوا القتال بعد أن أحسنوا الإعداد والتدريب والتمويه على مخابرات الأعداء. وكما فى 25 يناير ما إن تجلت تباشير النصر حتى هب الشعب المصرى كله يؤازر شبابه وجيشه. غير أن السادات كان يريدها حرب تحريك لا حرب تحرير، بل لقد تخلص من الشاذلى الذى أراد تطهير ثغرة الدفرسوار، وكان قراره ليس بالعبور، بل بأن يكون العبور آخر الحروب، فترك الحبل على الغارب لإسرائيل تتلاعب بالمفاوضات بما فيها التقاضى حول طابا وتمارس عدوانها لتجتاح لبنان وتثبت أقدامها فى الجولان، ثم تلتهم فلسطين قطعة قطعة وتفتعل مناوشات على حدودنا بما فى ذلك اضطهاد قطاع غزة وتجذب من يهاجرون إليها ويندمجون فى مجتمعها ويتبجحون بمظاهر التطبيع وينصاعون للكويز.

 

وهكذا وطد لحكمه الذى أراده انقلابا كاملا على الحقبة الناصرية الوحيدة التى تنسب إلى يوليو 1952، بدءا باستضافة نيكسون وإعلان سياسة الانفتاح فى 1974 للقضاء على أسس الاشتراكية، وشجع التوجهات الدينية للتخلص من مسئولية قيادة حركة القومية العربية المعادية للاستعمار، فكان هو ثانى ضحاياها بعد وزير أوقافه الشيخ الذهبى رحمه الله. وحتى الانفتاح الذى كان يمكن أن يستكمل حركة التصنيع ويزود الحكومة بموارد ضريبية توجه لتدبير متطلبات العدالة الاجتماعية، تحول إلى مضاربات تجارية بأقوات الشعب، وتشجيع العمال على الهجرة لإضعاف تكتلهم فى وطنهم مطالبين بتدعيم البنيان الاشتراكى. وكأنه بدأ موجة «اذهبوا بعضكم لبعض عدو، وتفرقوا تصحوا».

 

●●●

 

وإذا كان السادات قد فرض إضاعة الفرص عمدا، فقد استكمل مبارك إضاعتها إيجابا باستكمال تفتيت المجتمع، وسلبا بتثبيت قواعد الركود من خلال تزيين الاستقرار وتجنب ما أسماه الصدمات، وهو أمر يناقض العقيدة التى يفترض أن يحملها طيار يعمل على قاذفات قنابل. ومرة أخرى يتصدى الشباب لقضية التغيير فيصطف الشعب وراءهم آملا فى الخلاص من الوهن الذى أصاب كل مظاهر الحياة فى الداخل وعلى المستوى الخارجى بوجهيه الإقليمى والعالمى. ولعل ما يعتمل فى نفوسنا من قلق شديد من واقعٍ تعددت آلامه، ومن خوف رهيب من مستقبل يشتد إظلامه، مرجعهما توالى إضاعة الفرص الواحدة تلو الأخرى فى تسارع غريب. لعل أول الفرص كانت المرحلة الانتقالية، التى أضاعها تعريفها بأنها تلك التى يتم خلالها بناء المؤسسات الديمقراطية فيُحظر فيها اتخاذ قرارات تفرض على المستقبل التزامات قد تتعارض مع الأهداف المرجوة. فأصبحت فى الواقع فترة تسكين النظام الذى ثرنا للقضاء عليه، والامتناع عن اتخاذ أى خطى باتجاه تحقيق أهداف الثورة. والأدهى أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بحصر القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى نخرت فى عظام المجتمع 40 عاما، والتعرف على الشرائح الاجتماعية وما أصاب كلا منها من تلك القضايا، رغم أن المؤسسات السياسية لا تستقيم إلا بالإلمام بها وبآليات تفاعلها وإمكانات تغيير تلك الآليات.

 

وعندما طُرحت عملية الحوار الوطنى تعثرت، وساهم فى تعثرها إدراج موضوع الموقف من رموز النظام القديم تحت عنوان «التصالح». كان الأجدى مناقشة أسلوب التعامل معها، وهو ما كان يمكن أن يفضى إلى تحديد مفهوم دقيق لتلك الرموز بدلا من التسمية المبهمة «الفلول»، واختيار أسلوب التعامل معها من بين بدائل تتراوح بين محاكمتهم أمام محكمة ثورة والتصالح. الغريب أننا وصلنا إلى أسلوب التصالح بعد عام من التعامل المتخاذل مع موضوعه وهو استرداد الأموال المنهوبة. إن الدول التى طرقنا أبوابها لذلك الغرض استشعرت استمرار أسلوب أبو الغيط فى التعاون الشكلى، واستنتجت عدم جديتنا، واكتفائنا بحملات يطلقها إعلامنا على مصداقية الدول، عربية أو غربية.

 

وحينما أثيرت قضية الدستور، لم تطرح فى شكل مبادئ عامة يجرى الحوار على أساسها، بل قصرت المناقشة على ما سُمِّى «تعديل بعض مواد الدستور» بذريعة القضاء على مسلسل التوريث والتمديد. وإذا جاز التسليم بأن المجلس العسكرى دخيل على المجال السياسى ومناوراته، فإن هذا العذر لا ينسحب على المستشار طارق البشرى ورفاقه. فلم تكن القضية تعديلا فى مواد دستور تم إنهاء العمل به، وإلا فإنه يعنى إبقاء ما عداها إلى الدرجة التى تستدعى إضافة مواد برقم «مكرر» حفاظا على الترقيم القائم. كما أن المشكلة لم تكن تضييق قواعد انتخاب الرئيس بما يناقض المساواة بين المواطنين المحققين لمواصفات الرئاسة، بل حدود سلطات الرئيس التى كرست استبداده. الغريب أن الاستفتاء حول الموضوع وُظف لرسم خطوات بناء المؤسسات على نحو وجد هوى لنفوس يعاقبة، وتحول الأمر إلى مناقشة دينية الدولة. وعندما أريد إعادة إحياء موضوع الدستور أثيرت قضية حدود الرقابة على القوات المسلحة، ثم مؤخرا قواعد انتخاب اللجنة التأسيسية.. فضاعت فرص وضاع زمن شهد من المآسى ما جعل الثورة تتوارى خلف فوضى. واستنفدت قوى الشباب الثائر فى اعتراضات واحتجاجات، فضاعت فرص كان يمكن استغلالها فى حشد قواهم وشحذ هممهم لتقويم بناء الدولة. ويمضى الوقت فى جدل عقيم حول قرض الصندوق فتتراجع فرصة تحسين شروطه واستخدامه كشهادة صلاحية دولية.

 

●●●

 

الأمر الأخطر أن الربيع العربى أوشك على التحول لخريف إسلامى. لو صحت نية «الإسلاميين» لانتهزوا الفرصة لبناء نموذج يلقى قبولا فى مجتمعات أخرى، ليكسبوا ثواب نشر الدين الحنيف بدلا من التشبث بكراسى فى إمارة سعيا إلى خلافة.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات