خطابنا الدعوى إلى أين؟ 2ــ المرسل د ــ الانفتاح - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خطابنا الدعوى إلى أين؟ 2ــ المرسل د ــ الانفتاح

نشر فى : الجمعة 27 مارس 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 مارس 2015 - 9:15 ص

ــ1ــ


أحد أبرز مبادئ مؤسسية الدعوة مبدأ «الانفتاح» ونقصد به الانفتاح الذاتى، والداخلى والخارجى. والانفتاح الذاتى صفة تلازم الخطاب الدعوى فى جميع مكوناته، فبينما يتجه الخطاب إلى «شريحة من شرائح المجتمع» (الأطفال/الشباب/الرجال/النساء) يتأكد المتلقى أن الخطاب يراعى بقية الشرائح ويصنع تكاملا وتناغما بين جميع الشرائح، ولا تتربص فئة بأخرى، ففى الوقت الذى يطالب الأطفال بالطاعة والإيجابية، نرى الخطاب يكلف الكبار بالرحمة والرأفة بالصغار، والصبر عليهم، وإمدادهم بكل الضرورات والاحتياجات.

كذلك فحينما يدعو الخطاب أتباعه إلى الأخوة الدينية (أخوة المعتقد)، لا يتغافل عن أخوة الوطن بجميع سكانه من أصحاب المعتقدات الأخرى، فالإسلام جاء ليحاور ويناقش لا ليفرض ويلزم الناس ولا ليجبرهم على اتباعه. كذلك فالخطاب الدعوى مع رعايته لأخوة المعتقد وأخوة الوطن، تراه يتخذ طريق الأخوة الإنسانية العالمية إلى جميع سكان المعمورة، فالقرآن رسالة عامة حق كل الناس الإطلاع عليها، ومن واجب المسلمين إحسان تبليغها.


ــ2ــ


أما الانفتاح الداخلى، فالمقصود به «تحرر الخطاب الدينى» مما أصابه من قيود «البداوة والبيئة البدوية» وما التصق به من ممارسات وسياسات القرون الماضية، تلك السياسات التى ورثها الناس فظنوها من الدين، وورثها الدعاة فرفعوها من مرتبة «السياسات التشريعية الوقتية» إلى مرتبة «الأحكام الشرعية»، حتى تحول الخطاب الدعوى إلى مجموعات من القيود والضغوط لا مبرر لها إلا أنها قول فلان أو فعل فلان..

فالانفتاح الداخلى للخطاب هو مراعاته لثوابت الوحى مع مراعاته لمتغيرات الواقع، فمن غير المعقول أن يكون الخطاب الدعوى الموجه للقوى العاملة والمتفاعلة هو الخطاب الموجه لهؤلاء المنسحبين من المجتمع يعكفون على شهواتهم دون أدنى مشاركة منهم فى هموم مجتمعهم وبيئتهم.


ــ3ــ


كما يعنى الانفتاح الداخلى للخطاب الدينى «انفتاح منهج البحث» على جميع أطياف الفكر الدعوى ووضع جميع المقولات تحت مجهر القرآن الكريم ومتواتر البيان النبوى، كذلك فإن جميع الآراء المذهبية الشائعة أو المذاهب المتروكة تنتظر إعادة الدرس والموازنة بينها حتى نصنع منها الصيغة الأقرب للوحى والأصلح للواقع. ولا عيب فى المقارنة وفى تحديث الفقه بإعادة تأليفه سواء بالجمع بين أكثر من مذهب، أو الإضافة والحذف على أن يكون معيار الاختيار هو مدى قرب الفقه من نصوص الشرع، ثم مدى توافقه مع العصر وقدرات المخاطبين، ثم مدى صلاحية هذا الفقه لاستشراف المستقبل والاستعداد له.

وننتهى من كل ذلك إلى وجوب الانفتاح فى البحث والدراسة على المستوى الأكاديمى مع ضرورة الضبط والتقارب والتوافق فيما يقرر من برامج تعليمية وثقافية.


ــ4ــ


أما الانفتاح الخارجى، فأعنى به أهمية انفتاح مؤسسة الخطاب الدعوى على العالم كله سواء للتعرف على واقعه وأولوياته، أو للتعرف على ما توصل الفكر البشرى إليه من تقدم يساعد فى دعم الخطاب الدعوى. فالعطاء الإلهى للبشرية لا ينحصر فى أمة، ولا يمكن أن يحتكره البعض. ودون استطراد، فإن ما أتاحه الله للبشرية على يد حضارة الغرب من تقدم فى المواصلات أو الاتصالات وغيرها من المخترعات يفرض على مؤسسة الخطاب الدعوى ضرورة الانتفاع بكل تلك المخترعات والإبداعات واستثمارها فى حمل الخطاب الدعوى إلى جميع شعوب العالم، وكذلك الإبداع والتجديد فى عرضه من خلال قوالب وأساليب فنية، كما يفرض على المؤسسة إتقان جميع ما يلزم ذلك سواء تقنيا: (تكنولوجيا وطبيعة وبرمجيات.. إلـخ) أو فنيا مثل: (الإعداد والتصوير والإنتاج والإخراج والبث.. إلـخ) أو علميا: (كتابة الحوارــ السيناريوــ التقارير.. إلـخ). وهكذا نعرف ضرورة أهمية انفتاح الخطاب ذاتيا وداخليا وخارجيا حتى لا يقع الخطاب أسيرا للتراثيات حبيسا لا يستطيع الوصول إلى قلوب الناس ولا إلى عقولهم.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات