أحداث أدت إلى المأساة اليونانية - محمد العريان - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحداث أدت إلى المأساة اليونانية

نشر فى : الإثنين 27 أبريل 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 أبريل 2015 - 9:20 ص

مع تعثر المفاوضات، وتعاظم الخطاب، وجدول السداد المخيف، هناك خوف متزايد من احتمال أن تكون أحدث اختلافات بشأن اليونان أكثر من مجرد مرحلة أخرى فى اللعبة المكررة المطولة بخصوص دراما ديون هذا البلد.

ما يبعث على القلق هو أنه فى هذه المرة بها مجموعة مخيفة من الظروف تأتى مجتمعة لتشكل واقعا حتميا ــ وهو إخراج اليونان من منطقة اليورو ( «خروج اليونان» الإجبارى «Grexit)، الذى لن يحدثه قرار واع، بل سيكون نتيجة لحادث ضخم («حادث اليونان» «Graccident«).

أوديسا اليونان المالية

إليكم الأحد عشر شيئا التى لا بد أن تعرفوها:

1 ــ ما يجعل هذا السيناريو يبدو أكثر معقولية، هو الحقيقة البسيطة التى تقول إن اليونان ينفد منها المال بسرعة، وهو وضع مخيف على نحو يجعل ما لا يخطر على البال مطروحا للبحث؛ وهو العجز عن الوفاء بالتزامات صندوق النقد الدولى، الذى هو أحد الدائنين القليلين المفضلين فى العالم.

2 ــ مع تحول هذه النتيجة إلى ما يزيد على مجرد كونها أمرا محتملا، تحول الابتعاد سيرا عن الأصول المالية اليونانية إلى هرولة قد تكون على حافة الجرى إلى الجرى. بل إن بعض الحائزين الهيكليين للدين اليونانى، كالفروع الخارجية للبنوك اليونانية، تُخرِج حيازاتها. وفى الوقت نفسه، من المحتمل أن تكون سحوبات البنوك متسارعة، وذلك بعد أن هربت مبالغ كبيرة بالفعل من النظام المصرفى اليونانى.

3 ــ النتيجة هى سحب المزيد من الأكسجين من الاقتصاد الذى يكافح بقوة بالفعل. كما أنها تفاقم الاعتماد على «إقراض الطوارئ» من جهاز البنك المركزى الأوروبى المتردد بالفعل الذى لا يضيع فرصة ليقول إن هذا التمويل ليس مقصودا به أن يسد الثغرات التى يخلقها الآخرون على نحو متكرر ــ خصوصا أن البنك هو الممول الرسمى الكبير الوحيد لفترة ليست بالقليلة.

4 ــ يشمل الحل أربعة مكونات: الإصلاحات السياسية من جانب اليونان، والتمويل الفورى من الدائنين، وتخفيض الدَين الإضافى، وتخفيف بعض المطالب التى تنادى بتقشف الميزانية. ولابد من تنفيذ هذه الشروط فى وقت واحد، وينبغى أن يصاحبها تعاون وثيق ومشاورات بناءة مستمرة بين الحكومة اليونانية وشركائها من الحكومات الأوروبية والمؤسسات الإقليمية وصندوق النقد الدولى. وفى الوقت الراهن، والذى ينبغى فيه أن يكون مشروعا تعاونيا، تجرى عمليات التقارب على نحو غير تعاونى.

5 ــ مع أن هذه ليست بأى حال من الأحوال المرة الأولى التى تصل فيها الأزمة اليونانية إلى حافة الهاوية، فالاختلافات هذه المرة أعمق وأهم. وعوامل عديدة مثل العقيدة والأخلاق والمناطق العمياء لها دور أكبر، حيث تحجب الواقع الاقتصادى والمالى. وكذلك قضت شهور من لعبة اللوم العلنى على المفاوضات، مع وجود اتهامات واتهامات مضادة (بما فى ذلك بعض الاتهامات الشخصية فى العادة).

6 ــ ومع أن الحكومة اليونانية الجديدة لديها قدر قليل من المنطق الاقتصادى من جانبها، فقد فشلت فى تطوير تفكير دائنيها على نحو مفيد، وفى الإعلان بشكل موثوق به عن التزامها بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة. ويعكس جزء من هذا تكتيكات التفاوض السيئة، بما فى ذلك اتخاذ مواقف علنية تضيع فيها الفروق الدقيقة وخطوات بناء الثقة عند الترجمة. لكنه كذلك نتيجة لتشدد أوروبا «الضجرة» التى لم يعد أعضاؤها من الدول يرتبون أوضاعهم بما يتفق ووضع الدائن والمدين، وهو ما يضر اليونان. ويعنى هذا أن الحكومة اليونانية لم تضمن الدعم التفاوضى من الاقتصادات الهامشية كأيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا.

7 ــ يعكس موقف أوروبا المتعنت، أكثر من مجرد رفض الطريقة التى تعاملت بها الحكومة اليونانية الجديدة مع المفاوضات. فالقارة مكان أفضل للتعامل مع الضرر المصاحب المحتمل الذى يلحق بوضع اليونان المتسم بالفوضى، ماليا كان أم فنيا، خصوصا إذا قورن بعامى 2010 و2012. فقد اتخذت مجموعة اليورو خطوات مهمة لمواجهة خطر العدوى باتخاذ ترتيبات إقليمية أقوى لعزل الأعضاء الذين يكونون أكثر عرضة للخطر (بما فى ذلك أيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا) نتيجة لاختلال فى بلد بعينه (هو اليونان فى هذه الحالة). فالأسواق أكثر هدوءا، وتحتوى حتى الآن تسعير الاحتمال الأكثر تطرفا للأصول اليونانية. وعلاوة على ذلك، فقد اتخذت البلدان الهامشية خطوات لزيادة دفاعاتها، مقارنة بيوليو 2012 بشكل خاص، عندما أدى التزام رئيس البنك المركزى الأوروبى ماريو دراجى الدرامى بأن يفعل «كل ما يمكن» إلى تجنب الانهيار المالى التعاقبى للعديد من الاقتصادات الأوروبية (ومعها اليورو).

8 ــ لا يعنى الوجود فى وضع أفضل نسبيا بالضرورة أن تكون آمنا بشكل كامل. فالنمو الهش فى أوروبا من المحتمل أن يتلقى ضربة من الاختلال اليونانى الضخم. وسوف تواجه بعض المؤسسات ضغوطا مالية. ولا يمكن لأحد التكهن بأى قدر من بالآثار الإقليمية لخروج اليونان وحادث اليونان المحتملين، بناء على أن هذه الاحتمالات لم يتم تصورها قط عند تصميم منطقة اليورو.

9 ــ وضع هذه الأمور معا يقودنى إلى أن أفترض اليوم توزيع الاحتمال بنسبة 45/10/45: فهناك فرصة بنسبة 45 بالمائة بأن تسمح تسوية اللحظة الأخيرة للفوضى باستمرار النجاح بالمصادفة، وهناك فرصة بنسبة 10 بالمائة بتحقيق إنجاز سياسى له أهميته، وهناك 45 بالمائة بأن تكون النتيجة هى حادث يونانى تفقد فيه الحكومة اليونانية وشركاؤها الأوروبيون السيطرة على الوضع. وفى ظل هذا السيناريو الثالث، سوف تجبر سلسلة من العجز اليونانى عن السداد، والتكالب على البنوك لسحب الأرصدة، وفرض قيود على رأس المال على طرد اليونان من العملة الموحدة.

10 ــ والفرض المتفائل، هو احتمال تحقق تسوية النجاح بالمصادفة بنسبة 45 بالمائة فى الساعة الأخيرة (أو على نحو أكثر دقة، فى الخمس دقائق السابقة للثانية عشرة). أما الواقعى فسيوضح أن هناك احتمال بنسبة 90 بالمائة بعدم تحقيق إنجاز حاسم، وأن تجربة اليونان ومنطقة اليورو تعيش تكثيفا للتوترات والمآزق السياسية المتكررة، على الفور أو فى المستقبل.

11 ــ هذه الاحتمالات ليست غير قابلة للتغيير. فهى قد تتغير، بل وينبغى تغييرها من خلال وضع سياسات أكثر خيالا على الجانبين، بالإضافة إلى خطوات مبكرة لبناء الثقة. والتحدى هو أن الوقت اللازم لتحقيق ذلك ينفد.

تم نشر المقال على موقع بلومبرج

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات