اعترافات تدين أمريكا والحكومات.. وتبرئ الأزهر - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اعترافات تدين أمريكا والحكومات.. وتبرئ الأزهر

نشر فى : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:15 م

نستكمل اليوم مابدأناه هنا فى الأسبوع الماضى حول الدور الأمريكى القائد لتحول الإرهاب المنتسب إلى الإسلام والمسلمين من أعمال متفرقة لتنظيمات قطرية محدودة إلى ظاهرة وشبكة متعولمتين، وذلك بداية من التحالف الذى هندسه زيبنيو بريزنيسكى مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر قرب نهاية سبعينيات القرن الماضى، من بلاده ومن مصر والسعودية وباكستان ومن يرغب فى الجهاد ضد الاحتلال السوفيتى لأفغانستان.
ما يستدعى ذلك هو أن الكثيرين من فضلاء وعقلاء وعلماء الكتاب والمفكرين الذين أسهموا بجهد موفور ومشكور فى دحض اتهام الأزهر الشريف وشيخه بالمسئولية عن هذا الإرهاب، ومن ثم فى دحض الحملة الحالية ضد الجامع والجامعة والشيخ، ركزوا أحاديثهم على السياق المحلى المصرى، أو الاقليمى العربى، دون التطرق إلى الدور الخارجى – خاصة الأمريكى – فى تشكيل الظاهرة الإرهابية المنتسبة للإسلام، وتحولاتها، مع أن هذا الدور هو الفاعل الأصلى، كما ذكرنا فى مقال الأسبوع الماضى، وكما سنزيد الأمر إيضاحا فى السطور التالية.
لكن قبل زيادة الإيضاح ينبغى التأكيد على تحفظين مهمين: الأول أن تبرئة الأزهر من المسئولية المباشرة عن الإرهاب، لا تعنى أن كل شىء على ما يرام على الجبهة الأزهرية، وبالتالى فإننى متفق مع ما عدده أولئك الفضلاء العقلاء من مأخذ على الأزهر جامعا وجامعة وشيوخا ومناهج، وتاريخا إلخ. ومع ما يطالبون به من إصلاحات، والثانى أن الحديث عن الولايات المتحدة كفاعل أصلى فى ظاهرة الإرهاب «الإسلامى»، يعنى أن المسئولية الأمريكية المباشرة عن العنف المتأسلم تقتصر فقط على ذلك الطور المتعولم من الظاهرة، أما ما قبل ذلك فإن دور الولايات المتحدة – وكان رئيسيا أيضا – تمثل فى توظيف الاسلام السياسى لمقاومة المد القومى العربى، ومكافحة الشيوعية المحلية والدولية فى إطار الحرب الباردة، مع التسليم بأنه لولا مرحلة التوظيف السياسى هذه لما أمكن لبريزنيسكى تشكيل تحالف الجهاد الأفغانى بهذه السرعة، وتلك السهولة، وهاتيك الفاعلية.
على أية حال نبدأ سجل الاعترافات المشار إليها فى العنوان – وهى كلها لمسئولين أمريكيين سابقين كبار – باعتراف مباشر لبريزنيسكى نفسه، وكنا قد ذكرنا فى الأسبوع الماضى أنه نفى أى شعور بالندم على قيادته باسم أمريكا للتحالف الدولى للجهاد فى أفغانستان، ونورد اليوم نص اعترافه بالكامل، وهو كما يلى «أعلم أن الحرب الأفغانية هى التى جاءت بالانتحاريين والطائرات المختطفة لدك برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، والسقوط فوق مبنى البنتاجون بواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001، ولكن لماذا أندم؟ فلقد كان هذا التحالف فكرة ممتازة، فأيهما أهم فى تاريخ العالم، مجىء طالبان أم انهيار الامبراطورية السوفيتية ؟! بعض المسلمين المهتاجين، أم تحرير أوروبا الوسطى، وانتهاء الحرب الباردة»؟!
أما الاعترافات بأصالة وفاعلية الدور الأمريكى فى توظيف الاسلام السياسى، وترسيخ التحالف مع تنظيماته، لمكافحة الشيوعية، والحركة القومية العربية، فبدايتها توصية من دين أتشيسون وزير خارجية الرئيس الأمريكى هارى ترومان فى أواخر أربعينيات القرن الماضى إلى الرئيس، وإلى وكالات المخابرات، والسفارات الأمريكية فى الدول الاسلامية بالبحث عن «بيل جراهام» مسلم، أى عن داعية دينى يناسب عصر الإذاعة والتليفزيون، ويستطيع أن يحوز شعبية طاغية على مستوى العالم الاسلامى ككل، على غرار شعبية المبشر الانجيلى الأمريكى بيل جراهام، بحيث يستطيع تعبئة مشاعر جموع المسلمين ضد الشيوعية، من خلال إشعال الحس الدينى، وقد وثق المؤلف الأمريكى روبرت دريفوس هذه التوصية فى كتابه «لعبة الشيطان»، وأضاف أن الأنظار اتجهت فى البداية للشيخ الألوسى فى العراق، أما نحن فنضيف إن قيادة جمال عبدالناصر السياسية، وقيادة الشيخ محمود شلتوت المستنيرة للأزهر أخرت ظهور «بيل جراهام» المسلم إلى سبعينيات القرن الماضى، حين انفتحت مصر السادات على الولايات المتحدة، وعلى المملكة العربية السعودية فى الخارج، وحين تحالف الرئيس فى الداخل مع الجماعات الاسلامية للقضاء على اليسار الشيوعى، والتيار القومى.
هنا أنبه مرة أخرى أننى لا أتحدث عن مؤامرة بالمعنى الساذج، ولا أتهم الدعاة الدينيين الشعبويين ــ الذين تكاثروا بشكل لافت منذ السبعينيات ــ بأنهم جميعا صنائع أمريكا والسعودية، ولكنى أتحدث عن اتفاق فى الرؤى والمصالح بين جميع هذه الأطراف.
مما يقوله دريفوس أيضا إن الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا فى تأسيس التنظيم الدولى لجماعة الاخوان، وساعدت الدكتور سعيد رمضان فى نقل قيادة حزب «التحرير الاسلامى» من الاردن إلى ألمانيا الغربية، ثم من ألمانيا إلى الجمهوريات «الاسلامية» السوفيتية، كما يرصد المؤلف نفسه ما يعرف فى تاريخ التحالف الأمريكى مع الاسلام السياسى باسم مؤتمر برنستون، «الذى كان يبدو على السطح تدريبا تربويا وتعليميا فقط، ولكن الهدف هو جمع خبراء مسلمين فى التربية والعلوم والقانون والفلسفة، ممن يكونون قادرين على التأثير فى السياسة، من أجل إحداث نهضة إسلامية تقاوم الشيوعية، عن طريق تقديم بديل مقبول لها فى أوساط المسلمين».
ثم يواصل دريفوس: «إن الولايات المتحدة بتأثير من الأخوين دالاس، شجعت الملك سعود على إعادة بناء جماعة الاخوان المسلمين بعد الضربة الساحقة التى وجهها لها جمال عبدالناصر عام 1954 »، وفى إطار هذه السياسة، ومتابعة لنتائج مؤتمر برنستون، تشكلت لجنة عمل فى مجلس الأمن القومى الأمريكى «للإسلام السياسى » برئاسة «دونالد ويبر» منسق الانقلاب الذى أطاح بالدكتور محمد مصدق، وأعاده الشاه إلى السلطة فى إيران، وكان عمله الأساسى هو التنسيق مع نشطاء الاسلام السياسى من باكستان حتى المغرب لمكافحة الشيوعية، والقومية العربية، تمهيدا للأرض، وإخصابا لها لتطبيق الخطة «أوميجا» التى عرفت فيما بعد إعلاميا باسم الحلف الاسلامى .
أما ديفيد لونج مدير البحوث والتحليل فى مخابرات وزارة الخارجية الأمريكية (سابقا) فيعترف بدوره «أننا شجعنا أصدقاءنا.. شاه إيران، والملك الحسن الثانى ملك المغرب والملك فيصل ملك السعودية على استغلال حريق المسجد الأقصى عام 1969، لتأسيس منظمة المؤتمر الاسلامى الذى كان ظاهريا ضد إسرائيل، ولكنه يستهدف تكوين كتلة إسلامية ضد السوفييت، وقد شجعنا فيصل على مساندة الاخوان المسلمين للغرض نفسه.. إننا لم نكن نرى الاسلام.. وإنما كنا نرى السعودية والسوفييت»، والمعنى أن الدين الاسلامى لم يكن هو ما يعنيهم، وإنما ما كان يعنيهم هو استخدام الهالة الدينية والثروة المالية السعوديتين ضد السوفييت .
وفقا لهذا السياق ليس مستغربا إذن أن يعترف دريفوس فى كتابه المشار إليه سابقا أن الولايات المتحدة كانت طرفا فى الصفقة التى عقدها الرئيس السادات مع الاخوان، وذلك عن طريق الشيخ كمال أدهم مدير المخابرات السعودية، وكان مقتضى هذه الصفقة – طبقا لهذه الرواية – أن لا يستخدم الاخوان العنف فى الداخل، وأن لا تتصل بهم واشنطن من وراء ظهر السادات، وهو ما تعهد به هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية للرئيس المصرى فى أول لقاء بينهما بعد حرب أكتوبر، و قد أكد وجود هذا التعهد هيرمان آيلتس أول سفير أمريكى فى مصر بعد استئناف العلاقات الرسمية بين القاهرة وواشنطن .
يقتضى استكمال تسلسل الأحداث أن نتذكر أن العنف الذى تعهدت جماعة الاخوان بعدم استخدامه داخليا، انفجر بعد ذلك على أيدى منشقين على الجماعة كونوا تنظيماتهم الخاصة، مثل التكفير والهجرة، والجماعة الاسلامية، والجهاد الذى اغتال السادات نفسه، وعشرات غيرها، وكانت هذه التنظيمات، ومثيلاتها فى الدول العربية والاسلامية هى «البنية التحتية » التى أقيم عليها التحالف الدولى للجهاد فى أفغانستان، الذى تحول بدوره إلى النواة الصلبة للإرهاب المتعولم المنسوب إلى الإسلام والمسلمين، ممثلا فى تنظيم القاعدة أولا، ثم متطورا إلى داعش تاليا، ومتخذا من العالم كله ميدانا لحربه الأثيمة، للأسباب التى شرحناها تفصيلا فى مقال الأسبوع الماضى، وهى إجمالا خيانة واشنطن لحلفائها «المجاهدين»، بعد أن حققوا لها أهدافها، فهل كان للأزهر أدنى دور من قريب أو بعيد فى كل تلك السياسات والعمليات، بدءا من دين آتشيسون وترومان، وليس انتهاء ببريزنيسكى وكارتر ؟! أم أن المسألة كلها كانت ومازالت اختيارات حكومات، وصفقات أجهزة مخابرات، فى صراع فوق طاقة الأزهر، وشيوخه، وأساتذته ـ وطلابه، وأبعد من أكبر مطامحهم.
ليس الغرض الوحيد من إثبات الاعترافات السابقة، هو تبرئة ساحة الأزهر من الإرهاب المتعولم المنسوب إلى الإسلام، وامتداداته فى سيناء، واستهدافه لمواطنى مصر الأقباط، ومن ثم التحذير من الاندفاع لإقرار قوانين تدجن هذه المؤسسة العريقة، مثلما دجن نظام يوليو 1952 المستمر حتى الآن أكثر المؤسسات المصرية، فأعقمها وأجدبها، من الجامعات، إلى الصحف، ومن النقابات إلى الأحزاب، ومن القطاع الاقتصادى الخاص، إلى القطاع الاقتصادى العام.. إلخ.. ولكن يوجد غرض ثان لا يقل أهمية، وأشرنا إليه فى مقال الأسبوع الماضى، وهو تفعيل الدور الدولى بقيادة أمريكية لمكافحة الإرهاب المتعولم، لأن السياسة الأمريكية – كما أثبتنا توا – هى الفاعل الأصلى لهذه الكارثة، على أن لا يقتصر تفعيل الدور الدولى على الحديد والنار، وبث الكراهية للاسلام والمسلمين، كما يفكر الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب، وبعض معاونيه، ولكن بالاستعداد لليوم التالى لانتصار الحديد والنار، وذلك بإستراتيجيات لإقامة السلام العادل، والأمن الجماعى، والتنمية الاقتصادية والبشرية، والحكم الرشيد، وفقا لمعايير دولية متفق عليها وملزمة، وإلا فإن الانتصار – إن حدث – سيكون فى جولة واحدة فقط.

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.