الرؤية القرآنية للكون وسكانه 10ــ القيم ج_ الإحسان - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 12:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرؤية القرآنية للكون وسكانه 10ــ القيم ج_ الإحسان

نشر فى : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:10 م

يقضى المسلم عمره كله عابدا ربه فى جميع مجالات حياته الفكرية والعملية، وأوسع العبادات مجالا وأشدها أثرا هى عبادة «الإعمار» حيث قال تعالى: ((هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا))، والإعمار مهمة إلهية كلف الله بها البشر كل حسب موقعه وحسب فهمه وحسب قدرته.. وأقول: أولا حسب موقعه لأن مواقع الفرد بين الناس مواقع متعددة، ولكل موقع صلاحيات وواجبات، وعلى كل موقع مسئوليات، ولكل موقع نفوذ حيال البعض، وتوافق مع البعض وتبعية للبعض.. فمثلا: الزوجان فى الأسرة مكلفان بالتعاون والتكامل لإنجاز ضرورات الأسرة وحاجاتها، فبينهما علاقة توافق وتكامل، أما كل منها حيال الأبناء فله شأن آخر، إذ لكل منها حق الأمر والنهى للأبناء القصر، ولهما حق التناصح مع البالغين الراشدين، كما أن لها حق إدارة شئون البيت ومراقبة كل من يؤدى عملا لهذه الأسرة. ومع هذا فعلى الزوجين والبالغين من أبنائهما فريضة المشاركة فى تحمل مسئوليات المجتمع، إذ يجب على كل واحد أن يختار تخصصه فيما يلزم مجتمعه ثم يوظف عمله فيما ينجز حاجات هذا المجتمع.. هكذا يكون الفرد فى أسرته ومجتمعه ثم فى دولته وأمته إلخ.. لهذا يعتبر الإحسان «قيمة إطارية عليا» لا يستطيع المسلم نسيانها أو تجاوزها.
ــ1ــ
ويستمد الإحسان مكانته كقيمة إطارية مهيمنة على جميع مراحل السلوك من القرآن الكريم، فيوضح القرآن أن الله جل جلاله وهو الغنى عن كل شىء اتخذ الإحسان قيمة فى كل ما خلق وصور حيث يقول: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) و((الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)) [السجدة]، ويقول: ((وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)). وكذلك أحسن فى كل ما رزق ((قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقا)) [الطلاق]، فالله جل جلاله هو المحسن الأكبر..فهل يليق بعبد أن يتجافى عن خلق إلهى رفيع؟!
ــ2ــ
كذلك كلف الله الرسول صلى الله عليه وسلم بالإحسان حيث يقول: ((ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ))، ووجه الرسول إلى الإحسان: ((وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ))، وعن غيره من الأنبياء: ((وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْما وَعِلْما وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ)).
ــ3ــ
وقد جاءت تكليفات الدين بالإحسان: ((وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ))، ويقول عن معاملة أهل الكتاب: ((وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ))، ويقول: ((وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ))، و((وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا))، و((وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانا)).
ــ4ــ
فما هو الإحسان؟ وكيف يكون؟ الإحسان هو الإتقان كما وكيفا وظرفا، فالإتقان كما يعنى إكمال المطلوب بجميع أجزائه وعدم ترك أى جزء أو عنصر من الشىء، والإتقان الكيفى: إتمام المطلوب بجميع أعداده مهما كثر وتعدد. والإتقان الظرفى أقصد به ظرفى الزمان والمكان. فالإحسان يفرض أداء الواجب فى وقته الملائم (إغاثة المستغيث وقت الإغاثةـ ـ تمكين المتعلم فى سن ووقت التعليم قبل فوات العمر ــ زراعة الزروع فى وقتها الملائم لها... إلخ ــ تمكين المريض من مقاومة المرض والتعافى بسرعة ــ إخراج الزكاة عند حلول وقتها ــ الاستعداد للصلاة قبل الأذان ــ تحصين المجتمع ضد النوازل والأوبئة والعدوان إلخ.
ــ5ــ
فأين المسلمون من فريضة الإحسان؟ هل يقوم كل منا بواجبات عمله بإحسان وإتقان؟ هل يتقدم كل منا إلى العمل الذى يحسنه فقط؟ أم أن البعض يتقدم لما لا يحسن؟ والبعض يتقدم لأعمال لا يعرفها ولا يتقنها. فكيف إذا استشرف إنسان العمل وهو يريد تعطيله وإفساده؟
ــ6ــ
ومن أبرز أدوات الإحسان: التدريب والامتحان ثم الشورى «شورى المتخصصين» حتى تنجز الأعمال إنجازا يحقق الإعمار ويغطى حاجات البلاد والعباد. لقد بلغ من إحسان الرسول صلى الله عليه وسلم فى إشرافه وإدارته للمجتمع أن يقول: «من مات وترك مالا فلورثته، ومن ترك دينا فعلىّ» أى على رسول الله باعتباره المسئول والمشرف والقائم مقام الحاكم.. فأين نحن من الإحسان؟

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات