«تاريخنا الحى».. بعث مجلاتنا الثقافية - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 2:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تاريخنا الحى».. بعث مجلاتنا الثقافية

نشر فى : السبت 27 أبريل 2024 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 27 أبريل 2024 - 9:45 م

- 1 -

أذكر جيدًا أنه فى فترة تولى المرحوم الدكتور سمير سرحان رئاسة الهيئة العامة للكتاب اضطلع بمشروع طموح لإعادة بعث إرثنا الثقافى الجليل من المجلات الثقافية التى أنارت مصر والعالم العربى كله بنور المعرفة والفنون والآداب، وأخرجت الهيئة المصرية العامة للكتاب الأعداد الكاملة من مجلات: (الكاتب المصرى) فى 8 مجلدات، و(الزهور) فى 4 مجلدات، و(أبوللو) فى 4 مجلدات، وصدر مجلد من (الرسالة الجديدة)، ولم يكتمل صدور المجلدات التالية فى حدود علمى.

  وكم كنت أتمنى أن يستمر هذا المشروع العظيم، ويمتد أثره ويغطى إعادة نشر كبرى مجلاتنا الثقافية وأشهرها فى النصف الأول من القرن العشرين، وأقصد «الرسالة» لأحمد حسن الزيات، و«الثقافة» لأحمد أمين، و«السياسة الأسبوعية» لمحمد حسين هيكل.. وهكذا. ومنذ ظهور هذه المجلات، وأنا مفتون بالفكرة وبهذا الإرث الزاخر الذى سجَّل بأمانة وصدق ما شهدته المحروسة من حراك ونهوض وانفتاح فكرى وثقافى ساهم فيه كل مثقف مصرى أو شامى أو عراقى (أو عربى فى العموم) من دون أى حساسيات ولا نزعات ضيقة ولا عصبيات. 

وعكفت سنوات أقرأ ما استطعت اقتناءه من هذه المجلات العظيمة، وأدركتُ أننا فى أمس الحاجة لإعادة بعث هذه الكنوز أولًا لإتاحتها، وثانيا لوضعها بين أيدى القراء والشغوفين بالمعرفة عمومًا ومحبى التنقيب فى هذه الخبايا الثمينة، وثالثًا لتيسيرها أمام الدارسين والباحثين، وتوفير الوقت والجهد الذى كان يجب عليهم بذله للبحث عن مادة أطروحاتهم وبحوثهم.

- 2 -

وفى العام 2015 وأثناء إعداد كتابى عن «تاريخ دار المعارف» بمناسبة مرور 125 عامًا على تأسيسها، وقعت على كنز ثقافى حقيقى من إصداراتها التى لا تقدر بثمن، وأشرت إلى دورٍ آخر مهم لعبته دار المعارف فى الفترة ما بين 1945 وحتى 1953، وهى الفترة التى شهدت صدور مجلة (الكتاب) الثقافية الشهرية التى كان يرأس تحريرها الشاعر والمثقف السورى الكبير عادل الغضبان. هذه المجلة التى وصفها كبار مفكرينا ومثقفينا فى ذلك الزمان بأنها «درة المجلات الثقافية» فى النصف الثانى من الأربعينيات، واستمرت فى الصدور لما يقرب من ثمانى سنوات إلى أن توقفت فى يوليو 1953 مع توقف معظم المجلات الثقافية التاريخية العظيمة التى شهدتها مصر فى القرن العشرين.

وكم شعرت بالفخر والسعادة لظهور هذا «الكنز الثقافى الرفيع» بعد خمس سنوات من كتابتى عنه والتنويه به، هذا الكنز الذى أزعم أننى أعدتُ اكتشافه وإحياءه بعد ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن من ظهوره الأول. فبعد 67 عامًا من توقفها، وبمبادرة من كاتب هذه السطور، فى إحياء تراثنا الثقافى النادر، خاصة ما طُبع منه منذ النصف الأول من القرن العشرين وحتى سبعينياته، أعادت دار المعارف طبع المجموعة الكاملة من هذه المجلة الثقافية النادرة (فى 12 مجلدا) صدرت مع مطالع العام (2020).

كنت نشرتُ ثلاث مقالات عن المجلة، ورئيس تحريرها السورى عادل الغضبان، كانت النواة التى تشكَّل منها الفصل الخاص بها فى كتابى «تاريخ دار المعارف»، وحينها وجهت نداء إلى مسئولى دار المعارف بإعادة طبع هذه المجلة، وإتاحتها للجمهور على غرار المشروع العظيم الذى استنه المرحوم سمير سرحان بإعادة بعث تراثنا من المجلات الثقافية فى تسعينيات القرن الماضى.

وكررتُ الطلب، وألححت فيه وأنا عضو لجنة النشر بالدار إلى أن تمت الاستجابة لذلك، وأدرجت ضمن خطة النشر العامة لدار المعارف (2019/ 2020) بمساندة ودعم وتأييد أخى وصديقى الناقد الكبير محمود عبد الشكور..  وظهرت المجلة بأعدادها الكاملة فى 12 مجلدًا بمقدمة تفصيلية شارحة لأستاذى الراحل الجليل الدكتور جابر عصفور الذى تفضل مشكورًا وأشار إلى أنه اعتمد كليا فى كتابة هذه المقدمة على الفصل الذى وضعته عن المجلة فى كتابى عن «تاريخ دار المعارف». 

- 3 -

لماذا أسوق هذه المعلومات والذكريات الآن؟  لأننى ما زلتُ على حلمى وإصرارى وطموحى باستكمال هذا الأمر، وما زلت أوجه النداء تلو النداء وأطرح المبادرة لإعادة بعث هذه الكنوز، ووضعها بين أيدى أبنائنا وبناتنا وتيسيرها فى طبعات متاحة متداولة (ورقيا وإلكترونيا وبتسهيلات للطلاب والباحثين والمتخصصين)، ما زال لدينا الكثير، وما تم طبعه ونشره فى الثلاثين سنة الأخيرة لا يجاوز النصف بحال! ولم يعد خافيًا على كل المشتغلين بالمعرفة والثقافة والإنتاج الفكرى والأدبى عمومًا أن هذا الأمر (توفير الموسوعات والمجلات والكتب الكبرى ذات الطبيعة الخاصة متعددة الأجزاء فى طبعات حديثة ومتجددة) بات من البديهيات فى كل الدول والثقافات المهتمة بأن يكون مشروعها التنموى والحضارى مبطنا برؤية ثقافية عميقة، والنظر إلى هذه المشروعات «نظرة ضرورة وليس رفاهية»..  (وللحديث بقية)