إقالة ماكريستال ــ أوبامـا وجــون ويـن - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إقالة ماكريستال ــ أوبامـا وجــون ويـن

نشر فى : الأحد 27 يونيو 2010 - 9:47 ص | آخر تحديث : الأحد 27 يونيو 2010 - 3:54 م

 مجموعة من العوامل دفعت أوباما إلى اتخاذ قرار إقالة قائد القوات الأمريكية العاملة فى أفغانستان الجنرال ماكريستال وتعيين الجنرال ديفيد باتريوس خلفا له. العامل الأول هو الرغبة فى الرد بقوة على مدلولات وتداعيات سخرية واستهزاء ماكريستال ومساعديه العسكريين (فى تصريحاتهم لمجلة رولينج ستون) من مسئولين سياسيين رئيسيين بإدارة أوباما كنائب الرئيس بايدن ومستشار الأمن القومى جونز والمبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان هولبروك والسفير الأمريكى فى كابول أيكنبرى.

فتصريحات ماكريستال ومساعديه، وبعيدا عن لغتها الفظة، أظهرت بوضوح غياب عقلية الفريق الواحد وضعف التنسيق بين العسكر والساسة الأمريكيين المضطلعين بإدارة الملف الأفغانى، بل دللت على محدودية الثقة والاحترام المتبادل بينهم. هنا هدف أوباما بقراره السريع إقالة ماكريستال إلى إعطاء العسكر والساسة فرصة جديدة لتكوين فريق منسجم ومتعاون كشرط أساسى للنجاح فى الساحة الأهم من ساحات الفعل الخارجى الأمريكى، وتكليف باتريوس، وهو المقبول من المجموعتين وصاحب معدلات التأييد المرتفعة فى الرأى العام الأمريكى بعد نجاحه النسبى فى ضبط الأوضاع الأمنية فى العراق، بقيادة الفريق فى لحظة يستمر بها تعثر الولايات المتحدة وحلفائها فى أفغانستان وتتصاعد من جراء ذلك نقمة المواطنين الأمريكيين والغربيين على الحرب وكلفتها الباهظة.

العامل الثانى هو حرص أوباما وبعض المسئولين الرئيسيين بإدارته على الحد من نزوع بعض القيادات العسكرية من جهة نحو الانفراد بتحديد وتنفيذ إستراتيجيات وسياسات واشنطن فى ساحات الصراع الحاضرة بها القوات الأمريكية، ومن جهة أخرى نحو تهميش دور الساسة واختزاله إلى شىء من الإشراف والرقابة.

لمثل هذا النزوع، والجنرال ماكريستال كان بين القيادات العسكرية الرئيسية الأكثر تعبيرا عنه من خلال معارضته العلنية لبعض عناصر إستراتيجية إدارة أوباما تجاه أفغانستان ومحاولاته المتكررة خلال الأشهر الأخيرة الماضية لتهميش ممثلى القيادة السياسية ــ هولبروك وأيكنبرى ــ والانفراد باتخاذ القرارات وبالتواصل مع القادة الأفغان دونهم، تداعيات خطيرة للغاية تطال دعائم النظام الديمقراطى. فهو يتناقض مع المحددات الدستورية لدور المؤسسة العسكرية كهيئة يناط بها تنفيذ إستراتيجيات وسياسات يضعها الرئيس المنتخب (ولذا المسئول شعبيا) وإدارته، ويهدد من ثم حال تماديه بخروج العسكر عن سيطرة الساسة المنتخبين واستئثارهم بالقرارات المصيرية.

العامل الثالث هو رغبة أوباما فى توظيف أزمة تصريحات ماكريستال ومساعديه للرولينج ستون للتخلص من جنرال عرف عنه قربه من دوائر اليمين والمحافظين الجدد وداوم على انتقاد سياسات الإدارة. فى العام الماضى، وقبل أن يعلن أوباما عن خطته الجديدة تجاه أفغانستان وعن زيادة عدد القوات الأمريكية العاملة هناك من 68.000 إلى 98.000، شكك بعض مساعدى الجنرال فى التزام أوباما بالعمل على هزيمة طالبان والقاعدة وانتقدوا تردده فى الدفاع عن أمن ومصالح الولايات المتحدة الحيوية لمجرد تراجع معدلات تأييد الأمريكيين للحرب فى أفغانستان.

ثم ما إن أعلن أوباما عن خطته ــ وبها اعتمد مقترحات ماكريستال بشأن تكيف الوجود العسكرى على الأرض والدخول فى مواجهات مباشرة مع عناصر طالبان والابتعاد عن التعويل الانفرادى على توجيه الضربات الصاروخية لمعاقل طالبان نظرا لمسئوليتها عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الأفغان ــ حتى عاد الجنرال إلى معارضته والتى انصبت على رفضه تحديد صيف 2011 (يوليو) كموعد لبدء انسحاب القوات الأمريكية.

وبغض النظر عن مدى وجاهة الأسباب المحددة التى ساقها ماكريستال فى هذا الصدد، وهى باختصار ارتبطت بصعوبة المواجهة مع طالبان واستحالة حسمها فى فترة زمنية قصيرة والكلفة الإستراتيجية لمعرفة أعداء الولايات المتحدة بموعد بدء انسحاب القوات وكأن لسان حال الإدارة الأمريكية يقول لطالبان تحملونا إلى صيف 2011 ثم لكم البلاد والعباد، كان يفترض فى قائد القوات الأمريكية (ما دام قبل القيام بالمهمة) الالتزام علنا بالدفاع عن الخطة التى أقرها الرئيس الذى عينه فى منصبه وشاوره فى بنودها وعناصرها. على نقيض علاقة أوباما الإيجابية بالجنرال باتريوس والتى دلل عليها مجددا تكليفه بمهام الجنرال المقال، دأبت تقارير الإعلاميين الأمريكيين على الإشارة إلى غياب الثقة بين أوباما وماكريستال وامتعاض الأول من انتقادات الثانى والثانى من محدودية اهتمام الأول بتفاصيل ما يجرى على الأرض فى أفغانستان.

العامل الرابع، وهو بكل تأكيد يتجاوز حدود قضية ماكريستال باتجاه مجمل الوضعية الراهنة للرئيس الأمريكى، يتمثل فى حرص أوباما، فى لحظة يواجه بها كارثة بيئية فى الداخل وتغيب عنها نجاحات السياسة الخارجية التى وعد بها، على الظهور بمظهر الرئيس القوى القادر على اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة والتصرف بسرعة لإبعاد من يراهم غير راغبين أو قادرين على وضع أهدافه الداخلية والخارجية موضع التنفيذ. سخرية واستهزاء ماكريستال بالمسئولين السياسيين بالإدارة أظهرت استحالة التعاون والتنسيق بينه وبينهم، ومن ثم كانت إقالته السريعة إزاحة لعائق فى سبيل النجاح فى أفغانستان وتكليف باتريوس بضبط علاقة العسكر والساسة بمثابة الشرط الضرورى لإعادة الأمور إلى نصابها.

بين الحين والآخر يحتاج أوباما، شأنه فى ذلك شأن أى رئيس أمريكى، لاستعراضات القوة هذه لتذكير الرأى العام بأن ساكن البيت الأبيض مازال يسيّر الأمور، وقادر على اتخاذ القرارات الصعبة وإزاحة العوائق من طريقه. فالمخيلة الجمعية للمواطنين الأمريكيين تعلى كثيرا من قيمة استعراضات القوة وتحبذ الرئيس الجرىء على المتردد (ريجان فى مقابل كارتر).

كان يمكن لأوباما أن يكتفى بلفت نظر ماكريستال ومطالبته بإصلاح علاقته بالمسئولين السياسيين المضطلعين بالملف الأفغانى، خاصة بعد الاعتذار العلنى الذى قدمه الأخير ومطالبة الحكومة الأفغانية بالإبقاء عليه فى منصبه وإشادة الرئيس كرزاى به كأفضل قائد ميدانى أمريكى منذ 2001. كان يمكن الاكتفاء بلفت النظر بكل تأكيد، إلا أن أوباما فضل فى لحظة تأزم داخلى وغياب للإنجاز الخارجى أن يذكر الأمريكيين بأن داخل كل رئيس جون وين (كبير أو صغير) قادر على توجيه الضربة (أو الرصاصة) الأخيرة وإسدال الستار.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات