عن العنصرية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن العنصرية

نشر فى : السبت 27 يونيو 2015 - 10:20 ص | آخر تحديث : السبت 27 يونيو 2015 - 10:25 ص

تبدأ الفكرة العنصرية بنظرة دونية للآخر سرعان ما تتحول إلى مقولات كراهية وممارسات تمييزية يتبعها عدوانية متفلتة من جميع المبادئ الأخلاقية والإنسانية ومن كل قواعد المساواة القانونية والمجتمعية تلصق بالآخر هوية «المنبوذين» وتفرض عليه الانعزال الحياتى والمكانى وتخضعه للعنف العقابى الذى قد يتوقف عند حدود الحصار والقمع والاضطهاد وقد يبلغ حواف الهاوية السحيقة المتمثلة فى جرائم التهجير والقتل على الهوية والإبادة الجماعية.

1) الاستعمار الاستيطانى للأوروبيين فى «العالم الجديد» والإبادة الجماعية شبه الشاملة للسكان الأصليين، 2) الاستعمار الاستيطانى للأوروبيين فى بعض مناطق القارة الإفريقية والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت بهدف بناء بلدان النقاء العنصرى / الفصل العنصرى وإنهاء وجود الشعوب الإفريقية أو عزلهم الكامل فى حظائر سميت البانتوستنات، 3) محرقة اليهود التى ارتكبها نظام الإجرام النازى وخطط الإبادة الجماعية لمجموعات غير اليهود لم تكن هوياتها دينية أو عرقية فقط بل صنف بعضها «كآخر منبوذ» بسبب إعاقات ذهنية أو جسدية، 4) العنصرية الدينية المنشئة لدولة إسرائيل والاستعمار الاستيطانى المبقى على وجودها فى سياق حروب عدوانية متصلة واضطهاد مستمر إلى لحظتنا الراهنة للشعب الفلسطينى قتلا وتهجيرا وحصارا، 5) حروب الإبادة الجماعية وحروب التصفية الدينية والمذهبية والعرقية التى تحضر فى التواريخ القديمة والحديثة والمعاصرة للعديد من الشعوب والتى تعد الحرب الأهلية فى يوغسلافيا السابقة وحرب الإبادة والمذابح فى رواندا والجرائم ضد الإنسانية فى دارفور وتهجير مسيحيى العراق واضطهاد مسلمى الروهينجا من أبشع نماذجها التى حملتها نهايات القرن العشرين وتحملها بدايات الألفية الثالثة؛ مثل هذه الخطايا الكبرى للبشرية هى التى تختزنها ذاكرتنا الجمعية اليوم (بعد أن حسمت المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات خارج الغرب صراعات الإنكار ــ الاعتراف باتجاه الإقرار بالتورط فى الجرائم وبالمسئولية عنها وبحتمية التطهر الجماعى منها وبناء وعى إنسانى يتجاوزها ويحول دون عودتها، وبعد أن تركت ممارسات التنصل لعدد محدود من النخب المهيمنة على الحكم / السلطة فى مجتمعات كإسرائيل وميانمار ولبعض المجموعات المستنزفة أخلاقيا وإنسانيا فى أوهام سموها وتفردها ودونية الآخرين كما فى دوائر اليمين المتطرف الغربى وغير الغربى) وتستدعيها إلى العلن نقاشاتنا العامة (بكثير انتقائية تركز على الاستيطان العنصرى فى جنوب إفريقيا وفى روديسيا السابقة / زيمبابوى الحالية وعلى هولوكوست اليهود إبان إجرام النازى، بينما تتحرج من إدانة العنصرية الدينية والاستعمار الاستيطانى لدولة إسرائيل ولا تفصل فى معالجة جرائم الإبادة التى ارتكبت بحق السكان الأصليين فى الأمريكتين وتجارة الرقيق ونظم العبودية والممارسات العنصرية البشعة التى لم تزل بالكامل بعد) للتدليل على الهاوية السحيقة التى تدفعنا إليها الفكرة العنصرية حين تتمكن منا ونعجز عن مقاومتها.

***

غير أن الفكرة العنصرية بنظرتها الدونية «للآخر المنبوذ» وبمقولات الكراهية والممارسات التمييزية وبجرائم العنف العقابى التى «يسهل» تمريرها وتبريرها بعد نزع الإنسانية عن المنبوذين يندر أن تتمكن من المجتمعات ومن أغلبياتها أو من المجموعات السكانية المتحالفة عضويا مع نخب الحكم / السلطة (كالعلويين فى سوريا والسنة فى البجرين ــ فقط للإشارة إلى نموذجين بارزين فى بلاد العرب) ما لم ترتبط على الأقل بعامل من العوامل الثلاثة التالية ــ والأرجح فى تواريخ البشرية القديمة والحديثة والمعاصرة هو ارتباطها بجميع العوامل الثلاثة:

1) وعى زائف ينتشر أوسع ما ينتشر بين ضعفاء الأغلبيات تروج له النخب المهيمنة على الحكم / السلطة والمعتاشة على العنصرية كوسيلة من وسائل بقائها والحفاظ على نفوذها وامتيازاتها.

2) نخب اقتصادية وتجارية ومالية وعسكرية تعتمد فى ضمان مصالحها وعوائدها على الممارسات التمييزية وجرائم العنف العقابى وحروب الإبادة التى تزج مرة أخرى بضعفاء الأغلبيات لارتكابها.

3) استدعاء بائس تارة لرؤى رجعية حول الهوية والانتماء والأرض والوطن وتارة لانطباعات جهولة عن النقاء العنصرى قوامها تفوق الأنا فى مواجهة الآخر المنبوذ وسمو وتفرد الأغلبيات فى مواجهة الأقليات المكروهة وتارة لفهم زائف للدين يبرر لاستبعاد واضطهاد وإنزال العقاب بالآخر صاحب الهوية الدينية أو المذهبية أو التأويلية (أى مضمون إدراك النسق الروحى والأخلاقى القيمى والمعاملاتى الذى جاء به الدين المعنى) المغايرة لهوية الأغلبيات أو المختلفة عن هوية النخب المهيمنة على الحكم / السلطة وتارة أخيرة للصور النمطية السلبية عن الآخر «كغريب» ينهب ويسلب ويتآمر ويحرم الأغلبيات من القوت والعمل والأمن والرخاء والسعادة ويحول بين النخب المهيمنة وبين تحقيق الانتصارات الهائلة التى لا تبتغى النخب من وراءها سوى خير الأغلبيات وتقدم المجتمعات.

هكذا، وبتوظيف متنوع للعوامل الثلاثة، زج بالأوروبيين لإبادة السكان الأصليين للأمريكتين ولارتكاب فظائع الفصل العنصرى فى إفريقيا وللقتل الجماعى لليهود بوحشية غير مسبوقة فى نطاقها الواسع ــ وسبق كل ذلك ثم تواكب معه تبلور الأيديولوجيات العنصرية الممجدة لتفوق «الجنس الأبيض» وانفجار العداء للسامية بين عديد الأغلبيات الأوروبية المسيحية وليس فى ألمانيا فقط. هكذا زج بضعفاء كثر فى يوغسلافيا السابقة وفى بعض البلدان الإفريقية للتورط فى حروب الإبادة وجرائم التصفية الدينية والمذهبية والعرقية، استجابة لاستلاب وشبق الفكرة العنصرية.

وهكذا يزج اليوم بقطاعات سكانية واسعة فى المجتمع الإسرائيلى لتأييد بقاء العنصرية الدينية التى تتناقض مبدئيا مع حديث الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وللدفاع عن تواصل الاستعمار الاستيطانى بإجرامه ضد الشعب الفلسطينى الذى يمرر ويبرر الانتهاك اليومى لكرامته والعصف بحقه فى تقرير مصيره بمقولات عنصرية صريحة. وهكذا، أيضا، تحضر النظرة الدونية والكراهية وترويج هوية المنبوذين وتبرير العنف العقابى فى دوائر اليمين المتطرف فى أوروبا باتجاه الجاليات العربية والمسلمة وخاصة باتجاه «اللاجئين الجدد»، وبين بعض النازيين واليمنيين المتطرفين فى الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه المواطنين الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية أو العربية والإسلامية، وبين عصابات الإرهاب التى تهدد بلاد العرب باتجاه مسيحيى العرب وباتجاه السكان الشيعة وباتجاه المسلمين السنة الذين يرفضون وحشية ودموية وتطرف داعش والقاعدة وغيرهما، وبين متطرفين بوذيين توظفهم حكومة ميانمار لتبرير اضطهادها المنظم لمسلمى الروهينجا.

***

ومن العنصرية، استمرار بعض الممارسات الطائفية والتمييزية ضد أقباط مصر وإلصاق هوية المنبوذين بالشيعة والبهائيين وفرض الانعزال المكانى والحياتى على أهل سيناء دون العمل الجاد على دمجهم تنمويا والانتصار لمساواتهم بغيرهم من المواطنين. ومنها، الخلط الجهول بين حتمية الاعتراف بكون يهود مصر شكلوا إلى بدايات النصف الثانى من القرن العشرين رافضا مجتمعيا أساسيا أثرى البلاد فكريا وفنيا وعلميا واقتصاديا وتجاريا وبكونهم تعرضوا لمظالم واسعة بعد قيام دولة إسرائيل واغتصابها ﻷرض الشعب الفلسطينى، وبين أوهام محاباة إسرائيل أو تجاهل استعمارها الاستيطانى المستند إلى العنصرية الدينية والحروب العدوانية. ومن العنصرية، أيضا، تبرير العنف العقابى ضد أصحاب الرأى الآخر والصمت على انتهاكات حقوقهم وحرياتهم بعد نزع إنسانيتهم وتجريدهم من كل قيمة أخلاقية ووطنية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات