عندما تتخلى الدولة عن التزاماتها.. الحق في الصحة «مثال» - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تتخلى الدولة عن التزاماتها.. الحق في الصحة «مثال»

نشر فى : الإثنين 27 يونيو 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 27 يونيو 2016 - 9:35 م
تمثل صحة المواطنين فى الدول المتقدمة أهم مفردات رأسمال الدولة، ويعد الحفاظ على صحة المواطنين، والذى يشمل حقهم فى تلقى العلاج فى مستشفيات على أعلى مستوى، من الحقوق المسلم بها، كمفترض أولى للدولة، وليس فقط كما تبنته مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان؛ التى دعت إلى تطبيقه فى جميع الدول، ودعت الدول ذات النصيب المتأخر من احترام الحق فى الصحة إلى السعى إلى تدبيره واحترامه، وجعله من الدعائم التى تقوم عليها الجوانب المتعلقة بالحقوق الاجتماعية للمواطنين.

ولكن الوضع فى مصر غاية فى التناقض، ففى الوقت الذى جاء فيه الدستور المصرى لسنة 2014 مشتملا على ذلك الحق «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة» وفقا للمادة 18، والتى لم تقف عند ذلك الحد، بل استزادت لتخصص نسبة لا تقل عن 3% من الناتج القومى للصحة، تتصاعد تلك النسبة تدريجيا حتى تصل إلى المعدلات العالمية. ويعد هذا الالتزام واجب التطبيق على عاتق الدولة بداية من موازنة الدولة للسنة المالية 2016/2017، وذلك هو ما جاء النص عليه فى المادة 238 من ذات الدستور، إذن الأمر هو التزام دستورى على عاتق الدولة، ولا يصح بحال من الأحوال أن نصفه بكلمة دعم أو ما إلى ذلك، لكون موارد الدولة هى فى الأساس ملك لمواطنيها، ويجب إعادة توزيعها وفق احتياجات المواطنين حسب المقتضيات الدستورية.


ولكن تداولت الأخبار أن الدولة تتهرب من هذا الالتزام الدستورى المتمثل فى تخصيص نسبة 3% للصحة، تحت مزاعم عدم القدرة على الوفاء بهذه النسبة، وتحاول اللجان المختصة فى البرلمان التحايل على ذلك الأمر بضم مستشفيات القوات المسلحة تحت مظلة وزارة الصحة، وهو مجرد علاج ورقى للموضوع فقط.

وأذهلنى الأمر فكيف بالدولة التى تعد رابع دولة على مستوى العالم فى شراء الأسلحة، لا يكون اهتمامها بصحة مواطنيها ــ التى هى عصب الحياة للمواطنين وللدولة ذاتها، حيث لا قيام ولا تقدم لدولة يئن شعبها من المرض ــ على الأقل متماشيا مع ما يحفظ قدرا من الصحة فعليا للأفراد. وكيف للنظام الذى أخذ أكبر قرض فى تاريخ الدولة المصرية من أجل إنشاء محطة طاقة نووية، وقد كان هناك بدائل أرخص وأسهل عن ذلك، ألا يدرج فى اهتمامه أمر صحة مواطنيه، ولا يسعى إلى تحديده وتنفيذه كالتزام، بل يتملص منه ويبذل فى ذلك الجهد.

وأجلسنى السحور أمام شاشة التليفزيون فرأيت العجب فى هذا الأمر، إذ شاهدت إعلانات عن تمام مستشفى الأقصر من تبرعات المواطنين، ومستشفى سرطان الأطفال تبحث عن تبرعات، ومؤسسة مجدى يعقوب، ومؤسسة سرطان الثدى، ومستشفى الشيخ زايد للسرطان أكبر صرح فى الشرق الأوسط، وغيرها.

كل هذه المفردات الداخلة ضمن منظومة الحفاظ على صحة المواطنين تعيش على الصدقات والهبات، فى حين أن الدولة تشرف عليها، وتسيطر عليها إداريا، ويكون العمل الأهلى هو المصدر لرأس المال فقط. فهل يمثل السعى وراء التبرعات حلا بديلا لعلاج مشكلة الحق فى الصحة، بديلا عن دور الدولة والتزامها الدستورى.
أنا لست ضد ثقافة التبرعات، ولكن هذا يكون كداعم فرعى وليس رئيسيا لمشكلة من المشكلات، وإن صار هو الفاعل الرئيسى فى هذا الأمر، فلست أدرى ما دور مؤسسات الدولة، وكيف يستقيم الأمر مع وجود النصوص الدستورية الملزمة للدولة، إضافة إلى الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتى تراعى حق المواطنين فى الصحة.

لن تتقدم الدولة إلا باحترامها لالتزاماتها الدستورية، حفاظا على ما يسمى بدولة القانون، ولن ترتقى الدولة إلا بأن توفى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قدرها الحقيقى، وقيمتها فى الحفاظ على سلامة المواطنين وصحتهم، وهو ما لا يعادل ثمنا لصفقة الرافال فقط. وهو أيضا ما يعد أفضل من السعى للاقتراض من أجل المفاعل النووى.
طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات