النهضة ونحت المصطلحات - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النهضة ونحت المصطلحات

نشر فى : الإثنين 27 يونيو 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 27 يونيو 2016 - 9:35 م
منذ ظهور حزب النهضة على الساحة السياسية باعتباره فاعلا سياسيا ما انفك قياديوه يغمروننا بفائض من العبارات والمفردات التى سجلها التونسيون وتداولوها باعتبارها من الأقوال الخالدة كالإرهاب فزاعة.. وعلى مر السنوات تضخم «معجم أخطاء» قيادى النهضة وصار الناس يتندرون ويسخرون من عبارات صدرت عن رفيق بوشلاكة صهر الغنوشى أو حمادى الجبالى أو على العريض وغيرهم فى كل مرة حاولوا فيها تبرير مواقفهم من الأحداث والوقائع.

ولكن المتابع للحوارات التى أدلى بها مهندس الحزب ومنظر تصوراته وسياساته يكتشف أن الغنوشى يعمد فى كل مرة إلى تضمين خطابه مجموعة من المفردات الجديدة وغير المعهودة فى اللغة المتداولة بين السياسيين من ذلك أنه آثر فى بداية سنة 2011 أن يغير موقفه من العلمانيين وأن يعدل مواقف أتباعه منهم فاقترح استعمال «العلمانية الجزئية» فى محاولة للحد من نتائج الاستقطاب من جهة، وللتمييز بين العلمانيين الراديكاليين الذين لا يعترفون بالدين مكونا جوهريا ويرفضون التعامل مع حزب بمرجعية إسلامية والعلمانيين الذين يعترفون بأهمية الدين فى الحياة ولا يبدون عداء للنهضة. وسرعان ما تضاعف عدد العبارات والنعوت التى تنضاف لتحدث نوعا من التمايز ولتؤدى إلى فهم مغاير.


وفى مؤتمر النهضة الأخير سعى الغنوشى إلى التخلص من مصطلح الإسلام السياسى الذى كثيرا ما اقترن فى نظر الغربيين على وجه الخصوص بالسلبية فأكد أن الإسلام السياسى انتهى لتحل محله «الديمقراطية الإسلامية». وأثناء زيارته إلى فرنسا أكد الغنوشى أن هذه الاتصالات تندرج فى إطار «الدبلوماسية الشعبية».

تبين هذه المحاولات المتعددة عن رغبة فى تغيير القاموس السياسى المتداول وإثرائه بمفردات جديدة من صنع النهضة تحمل العلامة «التجارية» (Made by) وتعبر عن التحولات التى تمر بها النهضة بعد أن انتقلت من حركة إلى حزب، كما أن العمل على تغيير القاموس السياسى المتداول يثبت فى بعد من أبعاده، أحد أشكال تجليات السلطة من خلال الخطاب السياسى، ونعنى بذلك كيف تنبجس السلطة إلى الوجود؟ وما العلاقة بين السلطة والممارسة اللغوية؟ وبالمقارنة بين الخطاب السياسى «المتحرك» فى بنيته اللغوية الصادر عن رئيس حزب النهضة وغيره من رؤساء الأحزاب نتبين أن لغة الخطاب ظلت كلاسيكية فى خطاب مختلف الأحزاب، تنهل من مخزون سنوات الجدل فى ساحات الجامعات وتجتر نفس العبارات التى كانت متداولة فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى.

وبقطع النظر عن وجاهة بعض المفردات ونجاعة نحت المصطلحات فإن هذا «الابتداع» أو «التجديد اللغوى» الذى تمارسه النهضة يثبت أن نحت المصطلحات فى الحالة السياسية (والحزبية خاصة) يخضع لآلية ذاتية، ويمكن أن نسميها أيديولوجية كما أننا ننتبه إلى أن السلطة السياسية تتجاوز الفعل فى الواقع المعيش والبنى السياسية ــ الاجتماعية إلى الفعل فى المؤسسة اللغوية. وتبدو الغاية من وراء ذلك مزيدا من التموقع ومزيدا من الهيمنة: إعلاميا باعتبار أن مختلف وسائل الإعلام ترصد المفردات الجديدة وتتابع أثرها فى الجماهير وكذلك سياسيا باعتبار أن الخصوم السياسيين يتابعون دلالات هذه المصطلحات والعبارات ويسعون إلى تأويلها وفق السياقات المختلفة ولكنهم فى المقابل غير قادرين إلى حد الآن على السير على نفس المنوال.


ليس المهم فى تقديرنا، البحث عن مدى معقولية هذه العبارات ووجاهة المفردات وجدة المصطلحات التى تبدو هجينة فى نظر بعضهم وفاقدة «للمعنى» فى نظر البعض الآخر بل التأمل فى «صناعة المصطلحات» وآليات التأثير والأشكال الخفية لتركيز السلطة. ويتضح أن السلطة التى يسعى حزب النهضة إلى تركيزها تشتغل على أكثر من واجهة.. إنها لا مرئية ومبعثرة وغير قابلة للإمساك بها تتسرب إلى مختلف بنى المجتمع بطريقة «ناعمة» فتؤسس لعلاقات قوى مختلفة وهيمنة جديدة تخترق المألوف.
التعليقات