من يحكم مصر (٢) .. زمن حاتم خاطر - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يحكم مصر (٢) .. زمن حاتم خاطر

نشر فى : الأحد 27 أكتوبر 2013 - 11:20 ص | آخر تحديث : الأحد 27 أكتوبر 2013 - 11:20 ص

ربما لا أعرف الرجلَ معرفة تمكنني من "التفتيش" في ضميره أو في انتماءاته الفكرية، كما أنني، كما يجب أن يكون حالُ دولة "القانون" لا أهتم بذلك. ولا ينبغي أن أهتم بذلك. كل ما أعرفه أنني سمعت الرجل الذي ينحدر من أبٍ ينتمي للقوات المسلحة، ينتقد ما فعله الإخوان بمصر. ويقول علنًا على شاشات التلفزيون، بوصفه رئيسًا لاتحاد الجمعيات الأهلية في مصر أن قرار حل الإخوان المسلمين قد "تأخر كثيرًا"، ثم وجدت شاشات التلفزيون نفسها تنقل بعد ذلك بأيام خبر إلقاء القبض عليه بتهمة الانتماء الى الجماعة ذاتها؛ "الإخوان المسلمون".. فلم أفهم.

لم أستسغ "مهنيا" بالطبع أن تنقل جريدة الأهرام "الغراء" الخبر هكذا: "إلقاء القبض على (الإخواني) ..." إذ لم أعرف هل كان هذا من باب التعريف أم التوصيف أم "التصنيف" الذي تحمله عادة أغلفة ملفات الجهة الأمنية ذات العلاقة. كما لا أكتمكم أنني كما لم أستسغ القبض على الرجل نتيجة لتقرير أمني متهافت، لم أستسغ أيضًا أن يتطلب الإفراج عنه (وهو حقه بلا شك) ما بدا للبعض متعارضا مع وجوبية أن يكون "النَّاسُ سواسيةً"، وأن تكون العدالةُ عمياء.

•••

بغض النظر عن ما انتهى اليه الحال في مسألة حاتم خاطر، فما جرى معه؛ أمنيا، وقانونيا، وإعلاميا لا بد وأن يلفت انتباهنا الى مجموعة من الحقائق:

1 . أننا، وفضلا عن "أساليب أمنية" تحتاج الى مراجعة وإصلاح، ورثنا قوانين تشوهت بعدد لا بأس به من "النصوص الفضفاضة"، التي تسمح للسلطة الحاكمة، أيا ما كانت هذه السلطة الحاكمة أن تسيطر وتستبد "وكله بالقانون"، كما قال السادات رحمه الله في إحدى خطبه الشهيرة. وأن هذه القوانين، بعد ثلاثة أعوام من ٢٥ يناير ٢٠١١ مازالت قائمة.

2. أن استقلالا "حقيقيا" للقضاء، يساوي بين "فاطمة إن سرقت" وبين "اليهودي صاحب الدرع" هو الضمان الوحيد لعدالة لا يمكن أن تكون حقيقية إلا إن كانت عمياء. وأننا بعد ثلاثة عقود كاملة من "مؤتمر العدالة الأول" مازلنا نبحث عن هذا الاستقلال وعن تلك العدالة.

3. أن فيروس "المكارثية" الذي حذرنا منه بدا أنه توحش واستشرى. ويكفيك أن تتصفح بعض ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد أن وسائل إعلام وصفت الرجل بأنه "إخواني".

4. أن مثل هذه الحقائق الثلاث لا يمكن أن تؤسس لمصر جديدة خرج الناس يطالبون بها في الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، بغض النظر عن كل ما فعله بها للأسف من تعاقبوا على إدارة أمورها بعد ذلك من انكفاء وإرتباك ورِدَّة.

•••

حاتم خاطر، ليس فقط رئيسا لاتحاد الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني في مصر، بل أيضًا عضوا بمجلس إدارة عدد من الجمعيات والمؤسسات الأهلية الكبرى في مصر، من بينها "بنك الطعام المصري" والذي تصل موازنته الى ٣,٧ مليار جنيه مصري وينشر الموازنة تفصيلا على موقعه الرسمي على الانترنت. ويعمل البنك حسب قرار إشهاره رقم ٥٦٢ لسنة ٢٠٠٦ على "مكافحة الجوع عبر التنوع والابتكار في إيجاد برامج ذات فاعلية في معالجة مشكلة الجوع بصفة مستمرة في إطار مؤسسي بالتعاون مع كل من يهمه أمر من بات جائعاً على أرض مصر."، ومتواكبا مع الجهود الدولية للأمم المتحدة في هذا الخصوص، يستهدف "بنك الطعام المصري" القضاء على الجوع في شتى أنحاء مصر بقدوم العام ٢٠٢٠

ولعلها ليست أكثر من مصادفة، أن في اليوم ذاته الذي جرى فيه إلقاء القبض على "ناشط" بنك الطعام، كنت في زيارة لمقر "مركز العقد الاجتماعي" التابع لمجلس الوزراء تلبية لدعوة كريمة من القائمين عليه. ويومها تعرفت عن قرب على مالم أكن "تقصيرا" أعرفه من قبل عن جهود للعاملين فيه، استمعت للسيدة المليئة بالحماس "ألفة طنطاوي"، مسؤول وحدة التخطيط والمسؤولية المجتمعية. وعرفت كيف أن هناك مساحة واسعة ينشط فيها المصريون الخيرون، وكيف أن هناك مساحة أوسع تنتظر جهدًا حقيقيًا من شباب أفقدته عثراتُ طريق ما بعد الخامس والعشرين من يناير حماسَه الذي كان متدفقًا "وخالصًا" لأن يعطي لهذا البلد؛ عرقًا وطاقة ... ومستقبلًا.

فتحت مسمى "خريطة المسؤولية المجتمعية" مثلا، وبجهد استمر لسنوات، أعد المركز قاعدة بيانات دقيقة ووافية لموارد واحتياجات المجتمعات المحلية في القرى المصرية الأكثر فقرا. تشرح المشروعات محل الاحتياج من قبل المجتمعات المحلية. والتي يمكن التعامل معها من زاويتين: الأولى المسئولية المجتمعية للشركات والأثرياء، والثانية الفرص الاستثمارية لمن يريد أن يستثمر في مشروعات تحتاجها هذه المجتمعات المهمشة. و لمن يريد أن يساهم متطوعا أو مستثمرا في بناء وطنه، توفر الخريطة "مجانا" دراسات جدوى هذه المشروعات من حيث الإطار الزمني لها والتكلفة التقديرية ومؤشرات المتابعة والتقييم وكذلك مؤشرات أو ضمانات الاستدامة. فضلا عن بيان تفصيلي بالموارد المتاحة في المنطقة بالمعنى الواسع للموارد؛ اقتصادية وبشرية وتنظيمية.

جهدٌ طيب، وأظن مثله مثلما "بنك الطعام" كثير. ولكننا شُغلنا بمعاركنا "اللا واقعية".. وبضرورة القبض على حاتم خاطر.

•••

كتبت قبل أسابيع عن "الدبة التي قتلت صاحبها"، إشارةً الى إعلام لا يسيء "بلغته وإسفافه" أكثر مما يسيء الى نظام يوهمنا أنه يدافع عنه. وقلت يومها، أنه إذا كان أكثر ما يدين الإخوان هو إعلامهم الذي كان ينقل جرائم منصة رابعة على الهواء مباشرة، فإن أكثر ما يسيء الى النظام الجديد، وينفر الناس منه هو بعض ما نراه على الشاشة من إسفاف وتهافت. وأظن الداء قد وصل الى أجهزة أمنية، أول من سيدفع ثمن تجاوزاتها "استسهالا أو انتقاما أو زهوا بقوة زائفة" هو هذا النظام "الجديد" .. وهذا "الوطن".

ولعلي أُذكِّر هنا بما تعرفه تجاربُ السابقين كلها في أن غياب تطبيق حقيقي وجاد لمعايير العدالة الانتقالية Transutional Justice المتعارف عليها، وما تتضمنه من إصلاح ضروري لمؤسسات بعينها، قد يفسر لنا كثيرا مما نرى اليوم، ويعكسه ماجرى مع حاتم خاطر؛ أمنا يتجاوز، وإعلاما يتحيز، وعدلا لا يمكن أن يتحقق بغير استقلال "حقيقي" للقائمين عليه.

•••

وبعد ..

فقبل حوالي العام، وبالتحديد في ٩ نوفمبر ٢٠١٢، أي قبل الثلاثين من يونيو الشهير، كان الدكتور شريف عبد العظيم الأستاذ بالجامعة الأمريكية ومؤسس جمعية "رسالة" في طريقه الى الولايات المتحدة الأمريكية ليلقي محاضرة عن مصر في جامعة "هارفارد" العريقة، فاكتشف أن اسمه موضوع على قوائم الممنوعين من السفر، بل ومطلوب القبض عليه "تنفيذا لحكم في قضية لا يعلم عنها أو عن أطرافها شيئا".. (!)

"من" يفعل "ماذا" في مصر؟ أو بالأحرى "بمصر"؟

بعض "الاجتهاد" في الإجابة في مقال الأحد الماضي.

... وبوسع من لم ييأس بعد أن يعود اليه.

......................

مثلُ كل مصري ينظر حوله، أدرك مخاطر يتعرض لها الوطن، وأتفهم إشكالية ما تأتي به الأوضاع "الاستثنائية" من إجراءات "استثنائية". ولكني، مثلهم أيضًا نتطلع الى "مصر جديدة". ونتمنى أن يدرك القائمون على هذه الإجراءات ما "للاستثنائية" من معنى .. "وحدود". كما نرجو الله، لا غيره أن نطوي سريعا تلك المرحلة "الاستثنائية".

عن تناقضات الثمانينيات كتب عبد الرحمن محسن ١٩٨٦ قصة فيلم "زمن حاتم زهران"، فدعونا نحاول ألا يأتي يوم يشاهد فيه أبناؤنا فيلمًا عنوانه "زمن حاتم خاطر".

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات