هامش للديمقراطية .. سمات السلطة الشمولية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية .. سمات السلطة الشمولية

نشر فى : الأحد 27 أكتوبر 2013 - 7:35 م | آخر تحديث : الإثنين 28 أكتوبر 2013 - 8:42 ص

نعود إلى البدايات: فى عام ١٩٥١ نشرت الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت كتابها الشهير «جذور الشمولية» وبه قدمت تحليلا تاريخيا وسياسيا لمفهوم «السلطة الشمولية» المستندة إلى القمع من أجل البقاء فى الحكم، ونزع الإنسانية عن الدولة والمجتمع وتحويل المواطنات والمواطنين إلى حشود جماهيرية تؤيد القمع (بل وتعجب به) أو توافق عليه فى صمت، وتعقب المعارضين واغتيالهم معنويا وتسفيه مبادئهم وأفكارهم ودفاعهم عن الحقوق والحريات. ورأت أرندت أن السلطة الشمولية، كالحكم النازى فى ألمانيا الثلاثينيات والأربعينيات والذى دفعها هى كمنتمية للديانة اليهودية إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة وكالحقبة الستالينية فى الاتحاد السوفييتى السابق، تسعى إلى السيطرة على عمليات صياغة الوعى العام وبناء الرأى بين المواطنات والمواطنين المتحولين إلى حشود جماهيرية عبر احتكار المعلومة والترويج «للحقيقة الواحدة» وتوظيف الأجهزة الإعلامية والدعائية لنشر مقولات إيديولوجية (العنصرية والعداء للسامية لدى النازيين والماركسية اللينينية فى الحقبة الستالينية) وخطاب «خطر المتآمرين» (من أعداء الجنس الآرى إلى أعداء التقدم والعلم والمساواة من إمبرياليين وطبقات رأسمالية) بهدف فرض «التوحد خلف القائد» و«الخوف من كسر الإجماع الوطنى» كحالة مجتمعية عامة جوهرها زائف إلا أنها قادرة على تمرير وتبرير كافة سياسات وممارسات السلطة الشمولية.

منذ خمسينيات القرن الماضى، طور البحث السياسى أفكار حنا أرندت باتجاهات متنوعة، ميز بعضها بين السلطة الشمولية التى تجسدت فى النازيين والحقبة الستالينية وبين أنماط أخرى للحكم غير الديمقراطى تمارس القمع والانتقاص من الحقوق والحريات ونزع الإنسانية والسيطرة على صياغة الوعى العام بدرجات من الفاعلية والكفاءة تقل عن الشموليات وترتبط إما بسيطرة نخب عسكرية لا تعدم أبدا الحلفاء المدنيين أو نخب مدنية تعتمد على المؤسسات العسكرية والأمنية وأدوات أخرى كالمؤسسات الدينية والأحزاب السياسية والأجهزة الإعلامية لضبط الدولة والمجتمع وإخضاع المواطن. منذ خمسينيات القرن الماضى، قارب البحث السياسى نظم الحكم الجمهورية والملكية فى العالم العربى باعتبارها تنويعات على الأنماط غير الديمقراطية تفاوتت قدراتها ودرجات كفاءتها وتمكنت (باستثناء نظام صدام حسين فى العراق الذى أسقطه الغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣) من البقاء وتجاوز بعضها ثورات وانتفاضات شعبية وأزمات مجتمعية كبرى.

وإلى اليوم، وبعيدا عن الصومال التى اختفت دولتها وعن الحالتين الليبية واليمنية وبهما ولأسباب مختلفة دولة عاجزة ومع استثناء الوضعية التونسية التى لم يقضى بها بعد على فرص التحول الديمقراطى، لم تزل أغلبية الشعوب العربية تعانى من نظم حكم غير ديمقراطية تمارس القمع والانتقاص من الحقوق والحريات ونزع الإنسانية على نحو يتفاوت بين سوريا والمغرب وبدرجات كفاءة تتراوح بين مرتفعة كما فى الخليج العربى ومنخفضة كما فى السودان. وها هى مصر، والتى بدت بعد ثورة يناير ٢٠١١ على أعتاب «الخروج الكبير» من غياب الديمقراطية، تدفع مع تجديد خلايا الممارسات الأمنية وعسكرة مخيلة الناس وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات وتشويه الوعى العام عبر حجب المعلومات والضغط على أصحاب الرأى المختلف باتجاه العودة إلى السياق العربى العام وفى ظل تأييد شعبى يحبط وترحيب إقليمى متوقع.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات