شباب لم يقابلهم الرئيس - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شباب لم يقابلهم الرئيس

نشر فى : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:30 م
كان مؤسفا أن يقول شاب ممن جلسوا على منصة مؤتمر الشباب بشرم الشيخ مخاطبا رئيس الجمهورية «طول حياتى كنت بتخانق وبحارب عشان أروح اسمع رئيس بيتكلم وأنا فى آخر صف، جاتلى صدمة لما تمت دعوتى إنى أتكلم قدام الرئيس»، ربما تؤكد جملة القائل التى تدخل فى إطار المدح وربما التقرب والانسحاق النفسى، الشعور العام لكثير من الشباب الذين لم يتحمسوا للمؤتمر بسبب قناعتهم أن هذا مؤتمر للشباب المؤيد للنظام فقط، وأن طريقة اختيار غالبية الحضور تدعم هذا الاتجاه لتؤكد أن هذا مؤتمر المؤيدين، والمؤيدين فقط!

بادئ ذى بدء لا يمكن إنكار أن فكرة عقد مؤتمر بهذا الشكل هى فكرة متميزة ويمكن أن تنتج مخرجات إيجابية حقيقية إذا كان المناخ العام الذى يسبق ذلك ويزامنه مناخ صحى فى مجال عام مفتوح وحر يسمح بتعدد الآراء ويقبل الاختلاف ويثمنه دون تخوين وإقصاء وتشكيك وتصنيف، فهل تعيش مصر فى هذا المناخ؟

***

على مدار ثلاث سنوات عاشت مصر فى مناخ أحادى الاتجاه لا يريد الشراكة ولا يقبل النقد ولا يبدى استعدادا لمراجعة أى خلل، صار المعيار الأول للرضا والسخط هو كم تأييدك وتقربك وتزلفك للسلطة، فإذا كنت صاحب عقل نقدى وتختلف مع مواقف السلطة وسياساتها كلها أو بعضها فأنت من المغضوب عليهم الذين تنهش فيهم أبواق النظام لتتهمه بالخيانة وكراهية الوطن والتآمر وغيرها من الاتهامات المعلبة.

انحسر العمل العام فى المدارس والجامعات والنقابات والمجتمع الأهلى وانعدم صوت السياسة ليحل محله نشيد التأييد والاتباع والسير فى دروب ترضى عنها السلطة وتباركها، مفتاح تواجدك فى العمل العام هو رضا السلطة عنك وإلا فلا مكان لك!

الشباب المؤيد هو الشباب الوطنى المحب لبلاده والشباب المعارض هم الخونة والطابور الخامس الكارهون للوطن، دشن الإعلام مكارثية حادة يترجمها للبسطاء قائلا: دول معانا ودول ضد البلد، حُرمت مصر من كثير من العقول المبدعة من أبنائها وشبابها الذين خرج الكثيرون منهم فى نزوح جماعى خارج الوطن بعد أن ضاق بهم، بينما لاذ آخرون بالعزلة والانفصال عن الواقع لتخسر مصر أفكارهم وجهودهم وعطاءهم.

مجرد تفكير السلطة فى عقد مؤتمر للشباب بهذا الحجم يعنى أنها تدرك أن ثمة مشكلة كبرى تواجهها مع الشباب، وهى تدرك قطعا أن من اختارتهم بعنايتها وبأجهزتها لحضور المؤتمر لم يكونوا هم الأولى بالحضور، إذ لا معنى أن تحشد موالين ومؤيدين لك ليكيلوا كل صنوف المدح والإطراء ثم ينصرفون دون أن تحل المشكلة الأكبر المتمثلة فى القطيعة الكبرى وفقدان الثقة والشعور بالقهر والاستهداف لدى الشباب الساخطين.

***

كان هذا المؤتمر فرصة ذهبية لو تم الإعلان عن مبادرة للوفاق العام تتضمن بنودا حقيقية تُصلح الخرق والشقاق الحالى بين السلطة والشباب الذين لا يؤيدونها، لكن لم يحدث ذلك بل تولد إحساس عكسى بدلا من الفرح بالمؤتمر ليتحول لسبب جديد لزيادة السخط والانعزال.

نحن لا نتحدث عن نشطاء سياسيين ولا نتحدث عن رموز معارضين بل عن ملايين من الشباب يفتك بهم اليأس والإحباط ولا يجدون أنفسهم قادرين على البقاء بمصر حتى صارت أعظم أمنياتهم هى الهجرة التى يسلكون دروبها الشرعية وغير الشرعية بحثا عن أمل اختنق بين ضلوعهم وحلم تمزق مع معاناتهم.

يمكن أن تعتبر السلطة هذا المؤتمر هو مؤتمر الشباب المؤيدين، فهل تفكر فى عقد مؤتمر مشابه للشباب المعارضين؟ وهل تقبل أن تسمع منهم؟ أم أن آذانها لا تحب هذه الأصوات؟

مصر تمر بمرحلة صعبة لن يمكن تجاوزها إذا استمرت فلسفة الصوت الواحد والرأى الواحد ورفض الاختلاف، التعلل بمحاربة الإرهاب لتمرير كل شىء لم يعد ممكنا، حتى محاربة الإرهاب تحتاج مجتمعا متماسكا بلا استقطاب ولا إقصاء وتصنيف للناس طبقا لأفكارهم.

الذين لم يقابلوا الرئيس كثيرون لا يعرفهم الرئيس ولا يذكرهم إعلام السلطة الحكومى والخاص، هؤلاء هم الذين يعانون ويكدون من أجل التشبث بالحياة، لا يجيدون التطبيل ولا التزلف والإطراء، لكنهم يحبون هذا الوطن ويحلمون به قويا عزيزا كريما ولا يبخلون بشىء من أجل العمل لرفعته.

لا نتمنى أن يتحول هذا المؤتمر إلى تنظيم طليعى جديد ولا حتى لجمعية تشبه جمعية حورس أو جيل المستقبل فقد فشلت هذه التجارب التى أنتجتها السلطة ولم تكن ظهيرا يمكن الاعتماد عليه، لأن تجمعات المصالح والمشتاقين سرعان ما تنهار مع تقلب الرياح واشتداد الأمواج.

***

تخسر دائما السلطة التى لا تسمع سوى مؤيديها، المعارضون السلميون للسلطة لن يحملوا لها المتفجرات ولا المفخخات وإنما بضاعتهم آراء وأفكار ورؤى ومواقف، السلطة الواعية هى التى تحتمى بالمعارضة الحقيقية وليس الديكورية لأنها تفهم أن بقاء النظام ــ أى ــ واستقراره مرهون بوجود معارضة وصوت مختلف يشير لمواطن الخطر ويتكاتف فى لحظات البناء.

لا نمل من التمسك بالأمل بأن يرتفع صوت العقل وتنخفض أصوات الكراهية ويتواضع الجميع تحت وطأة الأزمة الخانقة التى تمر بها البلاد، هذا الوطن سئم الشقاق والانفراد بالرأى وينادى أصحاب الضمائر بأن هلموا قبل فوات الأوان، هل ينفرج الظلام الكثيف ليسفر عن فجر وليد؟ هذا أملنا!
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات