رسائل الاستفتاء.. نحن على الطريق - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسائل الاستفتاء.. نحن على الطريق

نشر فى : الجمعة 28 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

لو حدثك أحدهم على أن استفتاء دستوريا فى مصر سيتم بعد فترة انتقالية دامية اقتربت من عامين، وقال لك إن نتيجة التصويت بالموافقة ستقل عن 80% ما كنت ستصدقه، وأنت تعرف طبيعة الشعب المصرى الطيب الراغب فى الاستقرار وثبات الأمور والذى لا يحب المخاطرة، وقد يحتمل ما لا يرضاه من أجل هذا الاستقرار الذى ينشده.

 

 

 

ما أخرجته نتيجة الاستفتاء الأخير تشير إلى أن مصر تتغير بشدة وأن كل الفرضيات السابقة حول طبيعة المصريين لابد أن تتم مراجعتها، لأن هناك معطيات جديدة فى المشهد تبشر بكثير من الخير لهذا الوطن.

 

 

نساء مصر اللاتى ظهرن مثل الفيض المتدفق الذى أطاح بكل ما يعترضه من معوقات ليصنع عاملا جديدا فى المعادلة السياسية سيخاف منه كل من يحكم هذه البلاد، درجة الوعى المتصاعدة والإيجابية والتعاطى مع هموم الوطن لدى نساء مصر تطمئنك على مستقبل مصر فإن ضعف رجاله يوما أو وهنوا فإن نساءه على العهد يحملن راية الحرية والكرامة والمقاومة.

 

•••

 

لا تسمعوا لمن يتحدث عن تقسيم المجتمع بشكل طبقى ويربط السلوك التصويتى بالفقر والجهل فقط، فهذا هراء نخبوى يدرك تفاهته من يعمل فى الشارع بين الناس، لم يكن الفقر والجهل وحدهما هما محددات السلوك التصويتى بل عوامل كثيرة متشابكة ولو تمكنا ــ فرضا ــ من عمل رسم بيانى يوضح الفرق الاجتماعى والتعليمى بين من قالوا نعم ومن قالوا لا، لتغيرت هذه النظرة السطحية التى أبداتها كثير من النخب.

 

لا تتهموا الفقراء بأنهم السبب فى نتيجة هذا الاستفتاء بل وجهوا الاتهام إلى ثلثى الهيئة الناخبة التى لم تشارك فى التصويت على دستور مصر بعد الثورة، انتقدوا من غفلوا شهورا طويلة عن قضية الدستور وانشغلوا بمعارك جانبية لا معنى لها ثم تذكروا فجأة أن الاستفتاء بعد عدة أيام ولابد من التحرك.

 

رغم تقصير القوى الديمقراطية فى قضية الدستور على المستوى الشعبى إلا أن ما أبداه شباب وفتيات مصر فى كل المحافظات يمثل ملحمة للتفاعل الشعبى والمشاركة المجتمعية لرفع الوعى ونشر الفكرة، من رأى آلاف الوجوه المشرقة التى اصطفت فى شوارع مصر فى كل الأيام التى سبقت الاستفتاء وحتى ساعات متأخرة يوميا وسط البرد يدرك أن روح الثورة لن تنطفئ ولن تخبو جذوتها.

 

فى يومى الاستفتاء رأينا آلاف الشباب الرائع يخوضون معركة المراقبة وفضح الانتهاكات وتوثيقها، وكل هذا رصيد جيد للمستقبل للعمل على الأرض واكتساب هذه الخبرات المهمة لأى عملية انتخابية، حالة التعبئة كانت ذاتية بشكل مثير للإعجاب. وما زلت أذكر جدة أحد أصدقائى التى جاوزت السبعين، وهى تقوم بالاتصال بكل أفراد عائلتها صباح يوم الاستفتاء وتؤكد عليهم النزول للتصويت من أجل مستقبل مصر.

 

أثبت الاستفتاء أن الشعب يقود وأن الرموز الشعبية المحلية أقوى تأثيرا من نخب سياسية متأرجحة الرأى وقليلة الحركة ومدمنة الكلام الذى لا يتناسب مع قدراتها الفعلية، نور يلوح فى الأفق القريب ينبئ عن ميلاد نخبة سياسية جديدة ستولد من بين الناس وستحل محل النخبة التقليدية التى انتهى زمانها وتحتاج للاعتزال قبل الاحتراق الكامل.

 

•••

 

أصبح كثير من النخب الكبيرة عبئا على الشباب يثقلون حركتهم ويحملونهم هم الدفاع عن سقطات لا معنى لها، ولذلك مفهوم الشراكة الجيلية يجب إعادة مراجعته ليتغير الوضع الحالى بحيث يقود الشباب ويكون من خلفهم الكبار وليس العكس، وهذه مسئولية الكبار الذين حان الوقت لتراجعهم خطوات للوراء وافساح المجال للشباب للقيادة، ولا أعنى بالكبار المسنين بل كل الوجوه السياسية القديمة التى استنفدت رصيدها وعطاءها وعليها أن تدرك ذلك.

 

نتائج الاستفتاء ترسل للمعارضة رسالة بأن هناك فرصة سياسية كبيرة لتحقيق نجاح كبير فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذا تعلمت من أخطائها وتخلت عن تمزقها وتفتتها وإذا أحسنت تنظيم صفوفها وخاضت معركة الانتخابات بشكل علمى وموضوعى، يعتمد على المنهجية وليس العنجهية وتضخم الذات الذى لا يقابله وزن حقيقى.

 

على القوى الديمقراطية المعارضة أن تتخلص من عدد من الوجوه البائسة الموجودة بينها والتى يضر وجودها أكثر مما ينفع، كما أن تطرفها ونزقها يحمل صف المعارضة الوطنية ثمنا باهظا يعزلها عن قطاعات واسعة شعبيا بسبب غطرستها وتطرفها وعدم موضوعيتها.

 

•••

 

إلى كل المحبطين من نتائج الاستفتاء تفاءلوا وتمسكوا بالأمل، فهذه النتائج مبشرة للغاية ودلالاتها النوعية تعيد الاطمئنان للقلوب التى أرقها القلق على مستقبل مصر بعد تضخم فصيل سياسى واحد وإقصائه للقوى الأخرى.

 

إلى من يحبون هذا الوطن من كل الأطراف حانت لحظة انهاء الاستقطاب ووقف التحريض والشحن المتبادل، نحن نعبر إلى مرحلة جديدة تسبح فيها سفينة الوطن فى بحر متلاطم الأمواج وإما أن تنجو بأهلها وإما أن تغرق إذا انشغلوا عن الخطر الداهم الذى يلاحقهم بالاختلاف بينهم والشقاق والتصارع.

 

مشاكل مصر أكبر من أن يتحملها فصيل سياسى واحد ولو كان هو الفصيل الحاكم، سنعيش هنا معا وسنبقى معا فلنمهد المستقبل أمام أبنائنا وأحفادنا ببناء وطن جميل كما نأمله ويأملونه.

 

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات