خلف أسوار القبة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خلف أسوار القبة

نشر فى : السبت 27 ديسمبر 2014 - 7:45 ص | آخر تحديث : السبت 27 ديسمبر 2014 - 7:45 ص

فى ستين سنة توالى على إدارتها عشرون رجلا آخرهم اللواء «خالد فوزى».

لم يكن قد ولد عندما تأسست المخابرات العامة المصرية على يد «زكريا محيى الدين» أحد أبرز قيادات ثورة يوليو ولا عندما خلفه فى منصبه «على صبرى» الرجل القوى فى نظام «جمال عبدالناصر»، كلاهما تولى تاليا منصب نائب رئيس الجمهورية وكاد الأول أن يخلف قائد يوليو بعد نكسة يونيو والثانى أن تؤول إليه السلطة العليا بعد رحيله.

كانت مصر عام (١٩٥٤) تتأهب للعب أدوار كبيرة فى منطقتها دون أن تتوفر لديها أية قدرة على مواجهة أية اختراقات داخلها ولا على اختراق حصون الأطراف الأخرى.

تحت تحدى انكشاف الأمن القومى تأكدت ضرورتها وبوقت قياسى اكتسبت قدرات عالية وضعتها فى مصاف أقوى الأجهزة الاستخباراتية فى العالم وبات مقرها فى «حدائق القبة» عنوانا على «هيبة الغموض».

من مصادفات التواريخ أن القادم الجديد ولد فى العام الذى تولى فيه «صلاح نصر» قيادة المخابرات العامة لعشر سنوات متصلة شهدت أعظم معاركها وأبشع مآسيها.

بين عامى (١٩٥٧ ـ ١٩٦٧) لعبت أدوارا حاسمة فى الصراع على المنطقة وقدمت رجالا من طراز فريد، كـ«فتحى الديب» الذى أشرف على أوسع عملية تغيير فى العالم العربى و«محمد فائق» الذى تولى ملف تحرير القارة الإفريقية و«محمد نسيم» أفضل ضابط مخابرات فى الشرق الأوسط وقيادات أخرى بلا حصر عملت فى صمت دون أن تنتظر أية مكافأة من أى نوع.

الوازع الوطنى قادها قبل أى شىء آخر إلى المكانة التى اكتسبتها غير أنها تعرضت لهزة كبيرة فى أعقاب انكشاف انحرافاتها التى وصفها «عبدالناصر» بأنها «دولة داخل الدولة».

تجاوز المهام الطبيعية إلى مالا يصح من انحرافات بالنفوذ وما لا يجوز من تداخل بين الأمنى والسياسى هو ما أفضى إلى هزة المخابرات العامة.

لم تطل «هزة المخابرات» طويلا، فقد جرت تحقيقات فى أسبابها عملت على تلافيها تولاها رجلان على درجة عالية من المصداقية هما «محمد نسيم» و«حلمى السعيد»، أولهما رجل من الداخل موثوق فيه والثانى رجل من الدولة بلا حسابات شخصية يصفيها.

أعيد البناء من جديد تحت رئاسة «أمين هويدى»، وهو أقرب إلى مزيج من «رجل الفكر» و«رجل الأمن».

فيما بعده توالت قيادات المخابرات، وتفاوتت أقدار الرجال وأحجام أدوارهم بعضهم عبر بلا أثر بقى وبعضهم الآخر مر عليها كمحطة لوظائف أكبر فى الدولة.

اللواء «محمد حافظ إسماعيل» انطلق منها إلى منصب «مستشار الأمن القومى» مع صعود «أنور السادات» والمشير «أحمد إسماعيل على» صعد من موقعه إلى قيادة القوات المسلحة قبل حرب أكتوبر بعام واحد والفريق «كمال حسن على» تابع خطاه من قيادة المخابرات إلى قيادة الجيش فى عام (١٩٧٨) ثم وزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء.

بصعود اللواء «عمر سليمان» أخذت القصة منحى جديدا.

احتفظ بمنصبه لثمانية عشر عاما متصلة وتصاعد دوره السياسى بأكثر مما يحتمله منصبه الأمنى وخرج اسمه إلى العلن ونشرت صوره على أوسع نطاق على عكس كل من سبقوه.

لنحو عشر سنوات كان مرشحا مرجحا لخلافة «حسنى مبارك» على مقعد الرئاسة فى الدوائر الغربية.

الترشيح بذاته وافق طموحه غير أنه عندما اتيحت الفرصة بدا أن كل شىء قد انتهى.

فى عهده جرى التوسع فى إدارة ملفات السياسة الخارجية، كل ما هو ضرورى وملح من ملفات انتقلت إلى عهدته بخاصة الملفين الفلسطينى والسودانى ونحيت وزارة الخارجية بقسوة أفضت إلى تهميشها حيث يجب أن تحضر وتؤثر وتراكم الخبرات.

وهذا يحتاج مراجعة للفصل بين ما هو أمنى وما هو دبلوماسى، فلكل مؤسسة مجالها الطبيعى والتداخل بلا مقتضى ينتقص من مستوى الأداء ويفضى إلى إخفاق بلا مبرر.

وفى عهده خرجت المخابرات عن وظيفتها الأمنية إلى لعب دور سياسى مباشر، وهذا يحتاج بدوره إلى مراجعة، فالمؤسسات السياسية تختلف فى وسائلها عن المؤسسات الأمنية، ولا توجد دولة حديثة تحترم ضرورات الأمن والقيم الدستورية تسمح بأى خلط فى الأدوار.

الاعتراف بالخلل من ضرورات معالجته، فقد تعرض جهاز المعلومات الأول إلى هزة كبيرة فى السنوات الأربع الماضية اضطربت خلالها أحواله لأسباب تعود بالمقام الأول إلى الأوضاع الاستثنائية التى مرت.

فى أيام «مبارك» الأخيرة عين اللواء «عمر سليمان» نائبا للرئيس الذى رشح اللواء «مراد موافى» خلفا له فى المخابرات العامة بينما رشح قائد الجيش المشير «محمد حسين طنطاوى» اللواء «محمد فريد التهامى» للمنصب نفسه.

حسم «مبارك» الخيار الأول وعندما آلت السلطة العليا إلى «طنطاوى» حافظ عليه لكنه لم يمانع فى إطاحة «موافى» من قبل الرئيس الأسبق «محمد مرسى» قبل أن يطيحه هو شخصيا بوقت قصير للغاية.

لمدة تقل عن عام تولى المسئولية اللواء «محمد رأفت شحاتة» باختيار من «مرسى»، وكانت تلك الفترة من أصعب أيام المخابرات العامة، جرت إطاحات بقيادات كثيرة ومحاولات اختراق وتطويع وشُل الجهاز تقريبا.

من اللافت للانتباه أن أول قرار أصدره الرئيس المؤقت «عدلى منصور» إقالة رئيس المخابرات الذى جاء به «مرسى» بإخراج حفظ له ماء الوجه وجىء باللواء «محمد فريد التهامى» للمنصب الحساس فى وقت حساس.

فى حالة «شحاتة» فإنه لم يكن طرفا فى تحولات (٣٠) يونيو لكنه لم يناهضها وفى حالة «التهامى» فإنه كان موضع ثقة القيادة الجديدة.

بغض النظر عن الأسباب التى استدعت إعفاء الأخير بصورة مفاجئة، وما إذا كانت صحية بحسب تسريبات رسمية أم سياسية بحسب تقارير متواترة، فإن التغيير كان مؤكدا، فصراعات الأجهزة الأمنية تجاوزت أية حدود طبيعية وغياب الاقتناع الداخلى بمستوى الأداء أفضى إلى تراجع فى الانضباط.

بوضوح فإن من أول مهام القادم الجديد استعادة هيبة المخابرات العامة.

أن يؤكد قوتها فى حدود طبيعتها بلا زيادة تخل أو نقصان ينهك.

الهيبة غير السطوة، فالأولى من تجليات القوة دون استخدامها والثانية من تداعيات النفوذ فى غير موضعه.

من أخطر ما تعرض له جهاز المعلومات الأول أن بعض الكومبارسات حاولوا أن يرتدوا أثواب البطولة وبعض الذين يحسبون أنفسهم عليه أساءوا إلى صورته بصورة شبه كارثية من عبارات منفلتة وتحليلات ساذجة وادعاء رتب عسكرية لم يحصلوا عليها.

استعادة الهيبة ليست مهمة سهلة على أى نحو ولا بأى حساب، فجهاز الدولة كله تعرض لتجريف منهجى على مدى سنوات طويلة، لكنها تظل ممكنة إذا ما توافرت الإرادة على التصحيح والبناء من جديد وفق ما تراكم من خبرات ودروس.