«بلاكككلانسمان».. حكاية بلا نهاية - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«بلاكككلانسمان».. حكاية بلا نهاية

نشر فى : الخميس 27 ديسمبر 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 27 ديسمبر 2018 - 9:40 م

لا يستدعى المخرج الأمريكى سبايك لى علاقة السود والبيض فى السبعينيات من خلال شخصية حقيقية، لمجرد أن يصنع عملا مشوقا وذكيا ومتقن الصنع فحسب، ولكنه أراد من خلال فيلمه البديع «بلاكككلانسمان» أن يترك انطباعا قويا بأن الصراع سيظل بلا نهاية: ما زال فقدان الثقة موجودا حتى اليوم، وما زالت الاضرابات العنصرية تتكرر، بل إن هناك إسقاطا واضحا على إدارة الرئيس ترامب، التى ترفع شعار «أمريكا أولا»، وهو نفس الشعار الذى كان يردده أنصار جماعة «كوكلاكس كلان» البيضاء العنصرية فى أمريكا!
الفيلم مأخوذ عن كتاب يروى حكاية رون ستولورث، الذى أصبح أول شرطى أسود فى قسم شرطة كولورادو سبرينجز فى السبعينيات، لكن نجاحه الأهم فى قدرته على اختراق جماعة كوكلاكس كلان البيضاء، من خلال حيرة بارعة للغاية، فقد استخدم صوته فى التليفون مدعيا أنه رجل أبيض يكره السود واليهود، ويريد الانتقام من رجل أسود أقام علاقة مع شقيقته، ثم أرسل رون زميله الأبيض اليهودى منتحلا اسمه، وهكذا أصبح رون له صوت شرطى أسود، وصورة شرطى أبيض، أما العنوان الغريب الذى يتكرر فيه حرف الكاف ثلاث مرات متتالية فيعنى «رجل كوكلاكس كلان الأسود»، وهو تعبير ساخر، مثل معالجة الفيلم الذكية.
من حيث الشكل يمكن القول إن سبايك لى استلهم فكرة الحلقات التليفزيونية الشهيرة «مهمة مستحيلة»، فنحن أمام بناء بوليسى متقن، يتم من خلاله زرع رجل شرطة فى قلب عصابة إرهابية بيضاء تعمل ضد السود، قائد العملية أسود يديرها بالتليفون، ومنفذها أبيض مهدد بكشف أمره فى أى وقت، وتنشأ الكوميديا بالأساس بسبب وجهى العملية الأبيض والأسود معا، كما تنشأ من غباء المتعصبين، الذين يرحبون بكل شخص ضد اليهود والزنوج.
لكن هذه المهمة المستحيلة الممتعة تخفى مستوى أعمق وأجمل؛ لأن سبايك لى يجعل من بطله الأسود تعبيرا عن تيار يرى أنه يمكن أن يأخذ السود حقهم من خلال القانون، ومن خلال العمل مع النظام، مع الصمود أمام الاستفزازات، رون ستولورث لا يتردد فى أن يعلن أنه ينتمى لشرطة كولورادو سبرينجرز فقط، ولذلك سيقبل أن يتجسس على اجتماع لزعيم أسود يدعو إلى الثورة، ويطالب بالرد على البيض بالعنف.
يضع الفيلم رون فى مواجهة تيار تعبر عنه يياتريس، الفتاة السوداء التى أحبها، إنها من أنصار «القوة السوداء»، ولذلك ستغضب من رون عندما تكتشف أنه شرطى تجسس على السود، ورغم نجاح رون فى كشف تفاصيل محاولة تفجير إرهابى ضد السود، إلا أن ملف القضية يحفظ، مما يبرر فى النهاية مواجهة رون وبياتريس للخطر معا، وهما يحملان المسدسات، وكأن سبايك لى يقول إن تيار القانون، وتيار رد العنف بالعنف، كانا وسيظلان موجودين بين السود، بينما ستظل كوكلاكس كلان حاضرة، وستتواصل الاضرابات العنصرية، كما حدث فى العام 2017، والتى يقدم الفيلم لقطات عنيفة ودموية لها، مشفوعة بتعليقات من ترامب، يتهم فيها الطرفان، السود والبيض.
هما إذا لعبتان مندمجتان فى الفيلم: لعبة بوليسية كوميدية، ولعبة عنصرية مأساوية، وبينما ينتقد سبايك لى أفلاما شهيرة مثل «ذهب مع الريح» و«مولد أمة»؛ لأنها أساءت إلى صورة السود، فإنه يرد على هذه الصورة بفيلم يسخر فيه الشرطى الأسود، من ذكاء زعيم كوكلاكس كلان الأبيض.
يصبح الرجل الأسود هو قائد المهمة المستحيلة، بينما ينفذها رجل أبيض يهودى، تبدو الحكاية أشمل من عنصرية اللون، لتنتقل إلى العنصرية بسبب الدين، يستدرجنا السرد من البوليسى إلى السياسى، ومن السبعينيات إلى ترامب، ومن حكاية جيسى واشنطن الذى أحرقوه لاتهامة باغتصاب سيدة بيضاء، إلى اضطرابات عنصرية قريبة، تضيع ألوان العلم الأمريكى، ليصبح فقط بالأبيض والأسود.
خطورة هذا الفيلم، الذى عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى 2018، أنه يذكر المتفرج بأن التعصب فكرة تتلون حسب كل مرحلة، وأن كوكلوكس كلان تلجأ إلى التسلل إلى السلطة من خلال رجالها، ولكنها لم تتخل أيضا عن العنف، وسيرد السود دوما بنفس الطريقة.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات