9ــ فقه الوصية الواجبة - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 4:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

9ــ فقه الوصية الواجبة

نشر فى : الخميس 27 ديسمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 27 ديسمبر 2018 - 9:50 م

الفقه ــ كما يفهم العقلاء ــ ليس مجرد حفظ للنصوص، وليس مجرد تصور متسرع للواقع، بل هو فى أبسط تعبير: نور يقذفه الله فى قلب العالم فيشع ضياء على عقله ولسانه فيرى فى «مجمل الوحى» ما يعينه على إحسان توظيف «النص الجزئى» بالقدر الذى ييسر دخول الواقع «المسألة» تحت حكم الشرع. ولهذا فكتب الحديث والرجال تحصى قرابة 100,000 صحابى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتغل منهم بعلم الشرع سوى بضع عشرات، ويعهد هؤلاء العشرات بمسائل الفقه إلى عدد لا يتجاوز أصابع اليدين بكثير. وليس ذلك بعيب فى ذلك الجيل المبارك، ولا هو بنقص يلحق الأمة فى ماضيها أو حاضرها. وتقدم موكب «الفقه» فى عصر التابعين فنرى فى كل جيل عددا محدودا يشهد الناس له بالفقه، وليس من قبيل الصدف ــ كما يتصور البعض ــ أن أدركت الأمة بخطورة الفقه وأهميته، فاختارت الأمة عن قصد وعمد أن تعهد بشئون الفقه أصولا وفروعا إلى آحاد الأئمة (مالك، أبو حنيفة، الشافعى، ابن حنبل) رضى الله عنهم مع تداول محدود لمأثورات عن عدد محدود لم يشع قولهم، ولم تزدحم حلقاتهم، وإن كانوا قد تركوا كتبا وأقوالا يستأنس بها البعض.
ــ1ــ
أقول ذلك، لأن نفرا من المتجرئين على الشريعة بغير حق، والمتطاولين إلى الفقه بغير قدرة، يزعمون أن فقه «الوصية الواجبة» اختراع أو ابتداع (لا أساس له) ويمكنهم إضافة مستجدات إلى فقه المواريث قياسا على ما زعموه افتراء، وحقيقة «الوصية الواجبة» غير ذلك الوهم المزعوم، وأحاول اختصار رؤية الفقهاء القائلين بـ«الوصية الواجبة» فى الأسطر التالية.
ــ2ــ
أصل الوصية الواجبة فى الشريعة ثلاث آيات متتالية فى سورة البقرة: ((كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين * فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم * فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم))، هكذا جاءت «الوصية» فريضة مطلقة محددة بلفظ (كتب) مثل (القصاص، الصيام) فـ«الوصية» فريضة محكمة، والتمسك بها هو تمسك بما كان عليه الفقه والعمل فى زمن النبوة، فهى فريضة عامة محكمة، ولم يستعمل مصطلح «النسخ» فى ذلك الجيل.
ــ3ــ
وإن كان البعض بعد زمن النبوة قالوا بـ«النسخ»، فقد كان القوم ــ كما تشهد كتبهم ــ يستعملون لفظ «النسخ» تعبيرا عن: «تخصيص العام، وبيان المجمل، تقييد المطلق» أما بعد ذلك، فقد اتخذ المصطلح طريقا لا دليل عليه، وإن كان البعض قد تداول ذلك المعنى المستبعد. والكلام على النسخ فى هذا المقام تأكيد على أن آيات المواريث فى سورة النساء لم تنسخ آية الوصية بل قيدت الإطلاق الوارد فى آيات سورة البقرة.
ــ4ــ
والواضح فى القرآن الكريم وضوح الشمس تعبير آيات المواريث فى سورة النساء إذ جاءت ألفاظ «يوصيكم الله» فى أول الآية 11، ثم ختمت الآية بقوله تعالى: ((.. فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما))، ثم فى نهاية الآية 12 من سورة النساء يقول الله عز وجل: ((..وصية من الله والله عليم حليم))، ثم الآيات 13 و14: ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين))، فانظر فى هذه الآيات الأربع ترى ألفاظ «يوصيكم الله»، «فريضة من الله»، «وصية من الله»، ثم اعتبار المواريث من «حدود الله» لا يجوز مخالفتها أو تجاهلها. هكذا ألحق القرآن الكريم آيات المواريث فى سورة النساء بأخواتها من سورة البقرة ليتبين أهل الفقه أن آيات المواريث فى سورة النساء هى تقييد للمطلق الوارد فى آيات الوصية بسورة البقرة.
ــ5ــ
والخطاب القرآنى فى آيات سورة البقرة: «كتب عليكم» بيان إلى أنه تكليف عام يجب على الأمة جميعها أن تتعاون فى فهمه وتفهيمه وإبلاغه وحراسته من الإهمال أو العبث. وعلى ذلك رأى «فقهاء الأحناف» إلزام الأمة بجميع متسوياتها (كتب عليكم) فى (التعليم /الوعظ /العمل /التشريع /القضاء.. إلخ)، وعلى هذا سار قطاع كبير من الأمة، ونهضت مصر إلى تنقيح قانون المواريث بناء على إقرار الأزهر وطلب الحكومة وموافقة البرلمان فى عام 1946. فلماذا ادعاء سبق الاقتراح أو الابتداع؟

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات