الرئيس والدستور معا - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس والدستور معا

نشر فى : السبت 28 يناير 2012 - 10:05 ص | آخر تحديث : السبت 28 يناير 2012 - 10:05 ص

أغلب المصريين قالوا الانتخابات أولا. وأغلب الثوار قالوا الدستور أولا. والمجلس العسكرى قال نعملها «ساندويتش»: اثنين انتخابات وبينهما دستور.

 

وسنظل نناقش ونناقش، نجادل ونتجادل، نقول ونقول فى مشهد عبثى نعيشه لأننا لا نعرف كيف نحسن الإنصات بل ولا نحسن القياس العقلى. وهذا النقد الأخير أوجهه لنفسى ابتداء. ولا أخفى القارئ الكريم سرا إننى أشعر بإهانة مهنية لأن ما يحدث فى مصر الآن كان يمكن أن يكون أكثر انضباطا وأقل تكلفة لو أن أهل الصنعة من دارسى التحول الديمقراطى كانوا فى مركز صنع القرار، أو من كانوا فى مركز صنع القرار لديهم البصيرة كى يفرقوا بين أهل الصنعة وأهل «الفتى» الذين يضرون البلاد بل وأنفسهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. إن معرفة الفرق بين حبة «الألماظ» وحبة «الزجاج» تحتاج عينا مدربة، وبالمناسبة أنا لا أملكها، ومن يستوى عنده الاثنان فهو ليس أهل صنعة. والقضية هنا ليست «نعم» أم «لا» فى الاستفتاء الدستورى فى مارس الماضى، القضية كانت فى أن الطريق الذى نقرره لابد أن نحسن الالتزام به. لو قررنا أن نأخذ طائرة من القاهرة إلى أسوان فغير المتوقع أن أحمل معى شوالا من المأكولات والمشروبات لأن الطائرة ينبغى أن يكون فيها هذا كله. أما إن قررت أن أذهب إلى نفس المكان بالسيارة، فممكن أن أحتاج بعض الطعام والشراب.

 

وحين وقف الإنسان مدافعا عن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة ابتداء بإجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية سريعة، كان يظن أنه يسدى خدمة أكبر للثورة وللثوار وللقوى اليسارية والليبرالية، حيث غلبت حيوية «الرأى العام الثائر» رسوخ «الثقافة السياسية المحافظة»، وهذان مصطلحان مهمان فى عالم السياسية. «الرأى العام» يعبر عن توجه سريع ومباشر تجاه قضية أو مجموعة أشخاص فى لحظة بذاته وهذا ما كان يحكم فكر المصريين وعقيدتهم فى الأشهر الستة الأولى من الثورة. أما «ثقافتنا السياسية» فهى بطبيعتها محافظة تميل للالتزام بالثوابت سواء كانت تفضيل الكبير على الصغير والرجل على المرأة والمتدين على غير المتدين. بعد الثورة مباشرة كان «الرأى العام» مستعدا لأن يرد الجميل للثائرين بمقاعد فى المجلس معارضا بذلك ما ساد فى «ثقافتنا السياسية» لهذا كان الإسراع بالانتخابات فى صالح الجميع، لكن أما وقد ضاعت اللحظة عاد المصريون إلى «ثقافتهم السياسية» لنجد أن من دخل البرلمان من الثوار أقل كثيرا جدا من الرقم الذى كان من الممكن أن يحصلوا عليه لو كانت الانتخابات جرت فى موعدها فى يونيو أو يوليو. ومن هنا نرصد أن أكثر الناس انتقادا للمجلس العسكرى الآن تحت ذريعة «التباطؤ والتواطؤ» و«إجهاد وإجهاض» الثورة هم من كانوا يطالبونه فى يونيو الماضى بتأجيل الانتخابات قدر المستطاع.

 

ومن هناك كان دفاعى عن موقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك لأنه كان يفعل ما غلب على ظنى أنه الصواب بأن يخرج من المشهد السياسى بأسرع وقت ممكن وأن يترك للمدنيين إدارة شئونهم، ولكنه لم يفعل. ومن هنا تغير موقفى منه بوضوح وانتقدت موقفه لأنه يضر بالصالح العام، ويضيع روح الثورة التى كانت ينبغى أن تترجم إلى مقاعد فى البرلمان من خلال الثوار أنفسهم، فضلا عن الاستنزاف الاقتصادى غير المبرر؛ ومن أسف أن أغلب خسائر هذه الثورة فى الأرواح ارتبطت بأشهر التأجيل.

 

 

وها نحن ندخل فى الجدل مرة أخرى، هل الرئيس أولا، أم الدستور أولا. والإنسان لا يتوقف عن الدخول فى نقاشات ضافية مع أهل الاختصاص والسياسيين والثائرين. ومن هنا يذهب بعض الأصدقاء من الثوار إلى أنه طبقا للاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى أجرى فى مارس 2011، ووافق عليه أغلبية المصريين، والذى حوت أكثر من نصف مواده آلية وشروط الترشح لانتخابات الرئاسة، فإن خارطة الطريق المتفق عليها هى: عقد الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية، ثم بدأ الكتابة فى الدستور عبر جمعية يختارها أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبون فى وجود سلطة تشريعية منتخبة من الشعب.

 

ووفقا لهذا المسار، فإنه من المفترض أن يفتح الباب لانتخابات الرئاسة مباشرة بعد انتخابات مجلس الشورى فى نهاية فبراير. ممّا يعنى أن مصر سيكون لها رئيسا منتخبا فى منتصف أبريل 2012 بحد أقصى.

 

لكن المجلس العسكرى، مدعيا أنه فعل ذلك تحت ضغط الثوار والقوى الليبرالية أو فى محاولة لاسترضائهم، حدد خارطة للطريق تخالف ما جاء بالاستفتاء الذى وافق عليه أكثر من 14 مليون مصرى فى مارس 2011 باشتراط كتابة الدستور قبل انتخاب الرئيس، مع وعد بإجراء هذه الانتخابات فى يونيو 2012.

 

ويرى بعض الأصدقاء الثوار، ومعهم حق، أن فى ذلك عدة إشكاليات، منها اشتراط الانتهاء من صياغة الدستور، ثم الاتفاق عليه قبل انتخابات الرئاسة، فسيؤدى ذلك لتأجيل هذه الانتخابات أو إلى التسرع فى كتابة دستور مصر ما بعد الثورة، مما قد يهدد البناء الديمقراطى الذى يجب أن تكون فيه كل مؤسسات الدولة الحديثة التى نسعى لبنائها تحت الرقابة الكاملة من السلطات التى انتخبها الشعب. ومن هنا لخصها الأصدقاء الثوار فى أنه «لا دستور تحت حكم العسكر.»

 

هذه كانت وجهة نظر من يرون «الرئاسة أولا.» وهناك وجهة نظر أخرى تقول إنه من الخطورة بمكان أن يأتى رئيس بلا دستور يحد من صلاحياته أو أن يلتزم فى صلاحياته بالإعلان الدستورى الذى من الناحية العملية هو امتداد لدستور 1971 وعليه فهى صلاحيات مهولة، يضاف إليها أن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» سيظل فى المشهد السياسى بشكل غير مقنن لأنه من الناحية العملية «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» ليس مذكورا بخير أو بشر فى دستور 1971، وإنما هو كيان إدارى يدير الشئون الداخلية للقوات المسلحة ولكنه بحكم «التكليف» من الرئيس السابق أصبح له «سلطة أمر واقع.» ومن هنا يكون الخطر: لو اتفق هذا المجلس الأعلى مع الرئيس القادم قبل الدستور أو حتى اختلف معه من الذى سيفصل فى الخلاف أو يحدد تفاصيل الاتفاق بينهما.

 

***

 

لكل وجهة نظر وجاهتها، وتصل إلى استنتاج سليم وفقا لافتراضاتها، وعند مناقشة الموضوع ابتداء فى «بيت الحكمة للدراسات الإستراتيجية» ظهرت فكرة على لسان بعض الزملاء قد تستحق النقاش. الفكرة تقول «الدستور والرئيس معا»، حيث نفتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية الآن وحتى قبل الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى على أن يغلق بعد انتخابات مجلس الشورى بأسبوعين (أى منتصف مارس). وتكون انتخابات الرئاسة فى أول يونيو. ويكون تنصيب الرئيس الجديد فى النصف الثانى من شهر يونيو (المهم قبل 1 يوليو فى كل الأحوال). وفى مسار مواز يجتمع الأعضاء المنتخبون من المجلسين فى أول مارس للاتفاق على الجمعية التأسيسية للدستور والتى ينبغى أن تباشر عملها على أقصى تقدير بدءا من منتصف مارس على أن تنتهى من عملها فى منتصف مايو (إذن أمامها شهران من العمل الدءوب لإنجاز الذى يعمل على صياغته الأولية كثيرون من الآن)، ويكون يوم انتخاب رئيس الجمهورية هو ذاته يوم الاستفتاء على الدستور (فيعرف الرئيس الجديد صلاحياته ابتداء، ونوفر بعضا من الجهد والوقت والمال). وعلينا مساعدة الجمعية التأسيسية من الآن وحتى انعقادها أن نوسع مقترحات الدستور تمحيصا كى نقدم للجمعية التأسيسية خلاصة ما لدينا من أفكار وبدائل عسى أن يجد أعضاؤها فيها ما ينفع.

 

ومع ذلك هناك تخوفات لا بد من تأملها. هناك من يخشى أن يكتب الدستور فى ظل الحكم العسكرى، وهناك من يفضل أن يقوم مجلس الشعب باختيار رئيس مؤقت. وغيرها كثير من المخاوف التى أرجو أن أناقشها فى مقالات الأسبوع المقبل بعد أن يسطرها الأصدقاء سواء على موقع صحيفة «الشروق» أو موقع «بيت الحكمة» على الفيس بوك عسى أن يجعل الله لأهل هذا البلد الطيب بعد عسر يسرا.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات