أيام الكذب والدم - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام الكذب والدم

نشر فى : الجمعة 28 فبراير 2014 - 2:30 م | آخر تحديث : الجمعة 28 فبراير 2014 - 2:30 م

تقول العبارة المأثورة (التاريخ يكتبه المنتصرون)، ولكن ما يحدث فى مصر عقب ثلاث سنوات من ثورة يناير يقول إن التاريخ يزوره الآن الكاذبون والفاسدون لتبرئة النظام الأسبق من جرائمه، التى استمرت ثلاثين عاما فى حق المصريين وحتى الأحداث الكبرى للثورة، يتم اليوم تقديم روايات أخرى لها تمثل وجهة نظر نظام مبارك وذيوله فيها لذلك تبدو الحاجة لتوثيق الأحداث كما حدثت دون تحريف أو تبديل ضرورة وطنية، لأن هؤلاء المزيفين بدأوا فى تزوير التاريخ القريب الذى شهدناه بأعيننا وكنا جزءا منه، إنهم يزورون التاريخ ونحن على قيد الحياة فماذا سيفعلون حين يموت كثيرون ممن حضروا هذه الوقائع؟

وتأتى الفترة الانتقالية التى أعقبت تنحى مبارك، كأحد أهم الفترات من مراحل الثورة التى أوصلتنا تداعياتها لما نحن فيه الآن، ولذلك كان لابد من توثيق ما حدث بشفافية قبل أن تطويه صفحات الأيام وقبل أن يسرع المزورون لرواية تاريخ هذه الفترة، كما يحلو لهم توظيفا لأغراضهم، التى تتسق مع عدائهم لثورة يناير ونقمتهم عليها، لذلك فقد استطاع الكاتب الشاب تامر أبوعرب أن يقدم للمصريين تأريخا كاملا لهذه الفترة الدامية وما أعقبها من وصول الإخوان إلى الحكم عبر كتابه (أيام الكذب والدم) فى رحلة رصدت مراحل التغيرات التى تعثرت بسببها الثورة.

حين نعود لهذه الفترة يفجعنا كم الدماء التى سالت فى أحداث متلاحقة غير مفهومة، بدءا من البيان الشهير (رصيدنا لديكم يسمح) والذى أعقب فض اعتصام 26 فبراير، ثم أحداث المقطم فى 8 مارس 2011 التى أخذت بعدا طائفيا بسقوط 13 قتيلا بين مسلمين وأقباط بعد 18 يوما بميدان التحرير، تجسدت فيها الوحدة الوطنية فى أبهى صورها وكان هذا الحادث رسالة مبدئية لم نفهمها حينها بأن ما حدث هو سقوط فقط لرأس النظام، وأن ما نحتاجه هو تغيير قيم المجتمع وتطهيرها من التشوهات التى لحقت به بسبب القهر والاستبداد الذى رسخ الطائفية كمثال للتشوه العام الذى أصاب الشخصية المصرية.

وتوالت الأحداث ليبدأ انقسام الصف الثورى باستفتاء 19 مارس الذى انحازت فيه جماعة الإخوان للمجلس العسكرى، وتحول الاستفتاء إلى معركة عقائدية وصراع على الدين، ليتم تمرير التعديلات الدستورية، التى صنعت أولى خطوات المتاهة التى دخلت إليها البلاد، وانتهت بوصول الإخوان إلى

•••

 

التحولات فى المواقف التى حدثت خلال هذه الفترة كانت درامية، لذلك فوصفها بأيام الكذب هو أدق وصف لكل الأطراف التى تورطت فى سفك الدماء أو سكتت عن سفكها بحثا عن مصالح خاصة كانت تنتظرها كمكافأة لصمتها. وجسد الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة فى يناير 2012 هذا الانقسام المريع، بعد أن تحول المشاركون فى الثورة إلى معسكرين هما معسكر الثوار ومعسكر الإسلاميين، وبينهما تولدت كراهية قد تفوق كراهيتهما لنظام مبارك ورفض الإخوان يومها الهتاف ضد المجلس العسكرى، واعتبروه مؤامرة بينما ظهر الهتاف الذى استمر حتى سقوط الإخوان (بيع بيع الثورة يا بديع).

كانت الثورة المضادة فى خلفية المشهد فى أبهج حالاتها، وهى ترى التطاحن الذى سيصب فى النهاية لصالحها، ويمهد لعودتها بالتدريج ولم يدرك الإخوان أن نهمهم المرضى بالسلطة وإقصاءهم للثوار سيكون سببا فى أن يجدوا أنفسهم وحدهم فى مواجهة الجميع حتى بعد وصولهم للسلطة.

•••

أعطى الثوار فرصة أخيرة للإخوان كانوا مضطرين إليها عقب وصول المشهد الانتخابى الرئاسى لمرحلة الإعادة بين مرسى وشفيق، فقرر كثير من الثوار مساندة مرسى خوفا من عودة النظام القديم، وقرر بعضهم المقاطعة وقبل إعلان النتائج وعقب انتهاء التصويت، انعقد لقاء فيرمونت الشهير الذى تعهد فيه الإخوان بإصلاح أخطائهم فى تأسيسية الدستور وعمل شراكة وطنية ونبذ لغة الاستعلاء، وإقصاء الثوار وأرسلوا رسائل طمأنة تبددت عقب توليهم للسلطة وتشكيلهم لحكومة ضعيفة أجهضت فكرة الشراكة، وتوالت الاحداث بالإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى وتسبب فى موجة احتجاجات هائلة تصاعدت حتى وصلت لمشهد 30 يونيو المعروف. لا شك أن الإسلاميين فى تونس أصلحوا مسار الثورة التونسية عبر مراجعات وتنازلات عكس الإسلاميين فى مصر، الذين أكملوا عنادهم لنهايته فتسببوا فى نكبة للثورة ولأنفسهم واذا كان وقت التلاوم قد انتهى الآن ولا معنى له، إلا أن التاريخ لا يمكن محو أجزاء رئيسية منه شكلت الصورة النهائية التى نعايشها الآن.

أيام الكذب والدم ترسل إشارات واضحة بدروس مهمة لكل الأطراف الفاعلة فى المشهد السياسى فى مصر الآن، بأن هذا الشعب قد يفاجئ الجميع فى أى لحظة، وأنه مهما تخيل طرف أنه يسيطر على كل الأمور، فقد تهتز الأرض من تحته بشكل لم يتخيله، وأن نتائج الصناديق ليست كافية فقط لصناعة الاستقرار والبقاء فى السلطة، وأن الشرعية المعنوية والثقة قد تنهار إذا تكررت الأخطاء، وزادت الممارسات التى تسفك فيها الدماء. عقب ثلاثة سنوات من ثورة يناير لا يبدو أن أحدا فى مصر قد تعلم من دروس هذه الثورة أو فهم إشاراتها، لذلك لا أحد يدرك ما الذى يحمله المستقبل لهذا الوطن، ولكن دروس الماضى القريب قد تنبئنا عن صورة المستقبل المقبل.

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات