الإنسان ذلك المعلوم - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم

نشر فى : الجمعة 28 فبراير 2014 - 2:50 م | آخر تحديث : الجمعة 28 فبراير 2014 - 2:50 م

7- حر مسئول

جمال قطبالكائنات كلها مسخرة مأمورة ــ إلا الإنسان ــ فهو حر يختار ما يريد، والكائنات كلها خادمة تابعة ــ إلا الإنسان ــ فهو سيد مكرم متبوع، وهذا يعنى مسئوليته المباشرة عن نفسه وعن غيره.

ولا يستطيع الإنسان الاهتمام بما حوله ما لم يبدأ بتنظيم وإدارة خصوصياته تنظيما يساعده على الإحاطة بما حوله ثم إدارة جميع العلاقات مع من حوله من البشر وسائر الكائنات.

وهذه المسئولية هى السبب الأكبر فى إرسال الأنبياء والرسل، وإنزال الكتب لمساعدة للإنسان ودعمه فى تنظيم حياته وتحمل مسئولياته.

(1)

فإذا سأل العاقل نفسه: «إذا لم يشارك كل واحد فى إيجاد وإعداد ضرورات حياته (الطعام ــ الشراب ــ الكساء ــ السكن ــ الدواء)، فكيف يضمن لنفسه الحصول على حاجاته؟»

وإذا كان من حق الفرد أن يتواكل ويهمل المسئولية، ويلقيها على غيره، فلا أن الجميع سوف يهملون، فمن أين يأكل الناس إذا لم يقم بعضهم باستصلاح الأرض وتوصيل الماء؟

وبعضهم بزراعة الأرض؟ وغيرهم برعاية الزراعة حتى نموها؟ وآخرون بحصادها ونقلها إلى التجمعات؟ ثم بعد ذلك تبدأ دورة أخرى، فمن يتولى التوزيع؟ والتسويق؟ والعرض؟ والبيع (جملة/ نصف جملة/ قطاعى)؟ ثم دورة ثالثة للاستهلاك والاستخدام...إلخ.

هذه بعض شئون الطعام فقط، فهل من حق أى إنسان أن يتناساها؟ أو يظن أنه غير مسئول عنها؟ لأنه ليس متخصصا فى الزراعة والفلاحة؟!

(2)

ومسئولية الإنسان لها 4 محاور:

1ــ ماذا يتعلم؟

2ــ ما قيمة «ما يتعلمه» بالنسبة لضرورات المجتمع؟

3ــ ما هى قدرتك على إتقانه والإبداع فيه؟

4ــ كيف تحول علمك إلى عمل؟

وقد ذكرنا هذه المحاور ردا على «أكاذيب» يتداولها بعض الناس عن «كليات القمة» وما هى إلا «محض أكاذيب» أرهقت الناس وسببت تخلف للمجتمع والأمة، كما أنها أضاعت موارد الأمة وقدرات أجيال كثيرة. والأدلة والأمثلة على ذلك كثيرة، فانظر كم تكلف الطالب فى «كليات القمة»: أنفق أكثر من عشرين عاما من عمره (تلميذا/ طالبا/ متدربا) فى مهنة كمهنة الطب (عمره وشبابه/ أموال أسرته/ ميزانية دولة) ثم بعد ذلك لا يجد متعت ولا رغبته ولا قابليته لهذه المهنة.. فتراه بإرادته يختار مهنة غير تلك التى تعلمها، وأيا ما كانت المهنة التى يختارها فمن المسئول عن تلك الموارد التى تم تبديدها (طفولة/ شباب الشخص)، (أموال وأعصاب أسرته) و(ميزانية الدولة) ومكانه فى قاعات الدراسة والعلم.. كل ذلك لم يعد له قيمة إلا فى كذبتين كبيرتين:

1ــ مناداته بلقب لا يمارسه ولا يحسنه.

2ــ أكذوبة «القمة» التى راح ضحيتها كثيرون فليس فى المهن والحرف قمة ولا قاع وإلا ما احتاج الرسل إلى العمل بأيديهم، فقد احتاجوا لعمل غيرهم مع العمل بأيديهم.

إن سيادة الإنسان ومسئوليته تفرض يسأل نفسه:

«إذا لم تكن زارعا ولا حاملا للزرع ولا مسوقا، له فماذا تقدم أنت للزارع من خدمات حتى يتولى زراعة ما يكفيه ويكفيك؟ ماذا يأخذ منك الزارع والصانع حتى يعطيك؟» هل فكرت فى ذلك؟

(3)

وقد جعل الله حاجات الإنسان متعددة ومتزايدة، وقدراته محدودة ومتجددة لكى يحترم الإنسان نفسه ويشعر بحاجاته للآخرين حتى يستمتع بكل خيرات الحياة، فهى من إنتاج كثير من الناس لابد أن يعطيهم ليأخذ منهم.

هكذا نرى الأطباء والصيادلة يحتاجون احتياجا شديدا لعمال النظافة والصيانة مثل احتياجهم لمساعديهم والعاملين معهم، كما يحتاجون للفلاح الذى يزرع الأرض ويربى الأنعام ليطعمهم، ويحتاج جميعهم لعمال الصرف الصحى وعمال الرصف والتمهيد مثل احتياجهم للثقافة والترفيه، فهل يستطيع العاقل أن يعيش بغير مهنة منتجة يحتاجها الناس؟

وهل يستطيع العاقل أن يدعى عدم معرفته بالمطلوب منه؟

أو عدم قدرته على إنتاج سلعة مطلوبة أو خدمة مرغوبة؟

(4)

هكذا فالإنسان رغم أنه حر، فهو مكلف مسئول، ولكن ماذا يختار الإنسان من العلوم؟

هل يتعلم الإنسان ما يختاره الوالدان له؟

أم يتعلم ما يراه سهلا عليه؟

إن مسئولية الإنسان تجعله أكبر من ذلك.. فمسئولية الإنسان تجعله يطلب العلم الذى يتوافر فيه شرطان:

1ــ قدرته على التميز فى هذا العلم

2ــ حاجة المجتمع الشديدة لهذا العلم

فالإنسان يختار ما يستطيع أن يتميز فيه ويبدع فى أدائه حتى يحس بقيمة نفسه وذاته.. أما من يتواكل ويتغافل فقد تنازل عن إنسانيته وعن كرامته. ((وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)) .

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات