لا يختلف اثنان عاقلان على بشاعة الجريمة التى وقعت فى المنيا لاسيما بعدما صُورت وطالعها الملايين؛ لكن ذات العاقلين لن يختلفا على استحالة اتهام مئات الأفراد بارتكابها ومن ثم الحكم عليهم جميعاً بالإعدام على النحو الذى جرى منتصف هذا الأسبوع.

المثير للدهشة أن قرار المحكمة بإحالة خمسمائة متهمٍ دُفعةً واحدة إلى المفتى تمهيداً لإعدامهم مخالفٌ أصلاً لعرف القضاء المصرى فى أى حالةٍ مشابهة تقتل فيها جماعةٌ من الناس شخصاً واحداً؛ وهو العرف المستند إلى رأىٍ فقهىٍ معتبر رغم وجود مخالفة؛ فلمَ يشذُ هذا القرار عن العرف المستقر؟

ناهيك عن كون القرار الصادم قد خرج بعد جلستين فقط أولاهما إجرائية؛ فلم يكن ثمة وقت لعرض أدلةٍ مادية فضلاً على إعطاء الفرصة الكاملة للدفاع كحقٍ مشروعٍ لأى متهم؛ وتعليل الحكم من قبل البعض أنه تهديدى لإجبار المتهمين على تسليم أنفسهم تعليل غير قانونى ولا يمكن أن تورده المحكمة فى حثييات حكمها، وبالتالى لم يعهد فى القضاء المصرى (وأقصى ما يلجأ إليه القضاة الامتناع من استعمال مبدأ الرأفة فى حالة المحاكمة الغيابية).

نحن لسنا مجتمعاً بدائياً متوحشاً كى نتعامل بمنطق استباحة فصيلٍ كامل من البشر حتى وإن كان منهم من قتل صراحة أو حرّض على استخدام عنفٍ أو روّع الآمنين؛ بل نحن مجتمعٌ يعقل عن الله سبحانه قوله: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)...مجتمعٌ يعلم أن البغى لا يُقابل بالبغى.

أعلمُ أنه عند التريث يتضح يقيناً أن تنفيذ القرار فى حكم المستحيل لاعتباراتٍ قانونيةٍ محضة؛ ويسهل نقضه أمام الدرجات القضائية الأعلى؛ لكن يبقى السؤال: من سيستفيد من خبرٍ بالغ الإزعاج للداخل والخارج على هذا النحو؟

من سيستفيد من الترويع وتوسيع رقعة الكراهية وتهديد ما تبقى من سلم مجتمعىٍ هشّ؟ لمصلحة منْ يُعطى المتاجرون بالدماء فرصةً للزج بالشباب والفتيات إلى آتون معركةٍ يخسر فيها الجميع ويُحرق فيها الوطن؟