أوراق في ملف القضية - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوراق في ملف القضية

نشر فى : الأحد 28 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 28 أبريل 2013 - 8:00 ص

تعرف منصة القضاء، كما تعرف كتب القانون بدهية أن القاضي عندما ينظر في قضية أمامه إنما يعكف ابتداءً على دراسة مافي ملفها من «أوراق»؛ دعاوى ودفوعًا ومذكراتٍ شارحة.

 

والحاصل أننا بتنا جميعا «نترافع ونتداول» في قضية، رغم أدلتها الواضحة، وبراهينها القاطعة، إلا أن ما شاب بعضُ «الخوض» فيها من تسييس وتدليس وافتراء، تعمد ــ  بغية تضليل العدالة ــ إخفاء بعض الأوراق، ووضع أختام مزيفة على أوراق أخرى، مكتفيا بالنظر تحت قدميه، وغير منتبه الى أن الحكم في نهاية المطاف، هو حكم على «مستقبل» هذا البلد، الذي كان أبناؤه يتطلعون الى بناء «دولة» حقيقية، عندما ضحوا بأرواحهم وقت أن خرجوا الى الميادين باحثين عن «مصر الجديدة»٠

 

والحال هكذا، واستطرادا لما بدأناه في مقال الأحد الماضي، أعرض هنا «لبعض» الأوراق والحقائق ذات العلاقة، والتي لا أتصور أن حكما «عادلا» في تلك القضية يمكنه أن يلتفت عنها.

 

●●●

 

١ ــ في أوراق القضية نصوص قانونية ودستورية سارية (بغض النظر عن ظروف اصدار الدستور). منها ما يعطي لمجلس الشورى الحق في اصدار هذا التشريع أو غيره (المواد ١١٥ و ١٣١ و ٢٣٠) ولكن في النصوص الدستورية أيضا ما يوجب أخذ رأي الجهات القضائية في مشروعات القوانين المنظمة لشؤونها (المادة ١٦٩) كما يوجب قانون السلطة القضائية الحالي «والساري» أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء أو أعضاء النيابة العامة (المادة ٧٧ـ٢)٠

 

٢ــ أخذا في الاعتبار أن اصلاح القضاء لا يتحقق الا باستقلاله الكامل عن السلطة التنفيذية، ففي ملف القضية أيضا مشروع «حقيقي» يوفر ذلك الاستقلال / الإصلاح، كان نتاجا لمؤتمر العدالة الأول ١٩٨٦ (أدخلت عليه تعديلات عام ١٩٩١) وكان نظام مبارك، كأي نظام استبدادي لا يريحه استقلال لقضاء ولا لقضاة، قد رفض إصداره لربع قرن من الزمان. والمفارقة أن المستشار حسام الغرياني، قبل أن يترك رئاسة المجلس الأعلى للقضاء كان قد أحيا هذا المشروع، الذي حصل في حينه على موافقة القضاة ممثلين في ناديهم. إلا أن المشروع لاقى ما كان يلقاه أيام مبارك، فلم يجد طريقه الى النور. وحل محله مشروعا «مجتزءً» من أربع مواد فقط، لا تستهدف إصلاحا ولا إستقلالا. ولا علاقة له من قريب أو بعيد «بالتطهير» كما أوضح دكتور محمد محسوب ــ لاغيره ــ في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

 

٣ـ أن الفقه الديموقراطي عندما استن «حصانة القضاء» فلم يكن ذلك مزية لهم أو «ريشة على رؤوسهم» كما تَقَول البعض للأسف، بل كان لضمان استقلالهم في أحكامهم ضمانًا لأن يحصل المواطنون على حقهم في أحكام عادلة، لا يذعن فيها القاضي سوى لضميره ونص القانون. ثم أن  القضاة ليسوا فوق المحاسبة كما يظن البعض، ففي القانون الحالي ٤٦ لسنة ١٩٧٢ ما ينظم تلك المحاسبة (المواد من ٩٨ الى ١١٠) ... وقد حدث ذلك مرارا.

 

٤ ـ في أوراق القضية أيضًا نتيجة استفتاء أجراه نادي القضاة عام ٢٠٠٥ على مد سن المعاش حتى السبعين، وكانت النتيجة أن رفض المد ٣٧٠٦ قاضيا في مقابل ٥٢٢ والسبب أن المد وقتها «كان لأسباب سياسية» بالضبط مثلما هو الحال مع تخفيض السن حاليا. والمعنى أن المشكلة ليست في مد السن أو تخفيضه، وإنما فيما يكمن وراء هذا القرار أو ذاك من أهواء سياسية.

 

٥ ـ في الملف أيضا صورتان شهيرتان إحداهما التقطها مصور AFP  عصر الجمعة ١٧ مارس ٢٠٠٦ لقضاة مصر بأوشحتهم وأروابهم السوداء أمام ناديهم في وقفتهم "الاحتجاجية" الشهيرة. التي ارتعد لها نظام مبارك. والتي كانت للتاريخ إحدى المحطات الفارقة على الطريق الى ٢٥ يناير. والصورة الثانية للقاضي الشاب وقتها محمود حمزة في المستشفى بعد إصابته بكسر في العمود الفقري جراء اعتداء رجال شرطة مبارك عليه، أمام نادي القضاة في تلك الأيام التي احتج فيها القضاة على تزوير الانخابات التشريعية وعلى عدم إصدار قانون يضمن لهم استقلال «حقيقي» عن السلطة التنفيذية.

 

٦ ـ حرص القضاة على استقلالهم قديم، ففي الأوراق أيضًا ما قاله المستشار محمد وجدي عبد الصمد رئيس نادي القضاة لأنور السادات رئيس الجمهورية (رحم الله الإثنين) أمام جمع من رجال الدولة، مسجلا إعتراض القضاة على محاولة السلطة التنفيذية (وأداتها التشريعية) الافتئات على مفهوم العدالة «العمياء» بإصدار قوانين تستهدف أشخاصا بعينهم. يومها قال القاضي للرئيس «إذا كان في ما حدث في اجتماعنا ما أغضبك .. فلا تغضب إلا من نفسك» مذكرا إياه ببدهية أن «أخطاء الديمقراطية على كثرتها لا تعدل خطأ واحدا من أخطاء الديكتاتورية». … وأنه «ما لم يقم على شؤون العدالة قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة ، فإن الأمر ينتهي أن تسود قوة السلاح وشريعة الغاب فتتأخر الأمم بعد تقدم وتفتقر بعد غنى وتضعف من بعد قوة ومن ثمة كان الحرص على استقلال القضاء كسلطة وتوقير القضاة كأفراد وإحاطتهم بكل الضمانات وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون».

 

٧ ـ في أوراق القضية الأقرب شهادة المستشارة نهى الزيني على تزوير انتخابات ٢٠٠٥، والتي نشرتها «المصري اليوم» في ٢٤ نوفمبر ٢٠٠٥، وجاء فيها: «هذه شهادة حق إن لم أقلها سوف أسأل عنها يوم القيامة، ولا أقصد مما أقول مساندة أحد أو الإساءة إلي أحد، ولكنه الحق الذي وهبنا له حياتنا والعدالة التي أقسمنا علي الحفاظ عليها، وقبل كل هذا وبعده خشية الله الذي أمرنا ألا نكتم شهادة الحق، وأن نقولها مهما كانت التضحيات. والله إنه لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها.» قبل أن تختمها «هذه شهادتي أدلي بها أمام الرأي العام، وأنا أعلم تماماً ما سوف تسببه لي من متاعب، ولكن ماذا لو كسب الإنسان العالم كله وخسر نفسه؟». ويذكر من يذكر كيف كان نشر «الإعلام» لهذه الشهادة الى جانب شهادات لقضاة أخرين (١٣٧ قاضيا في مدينة دمنهور وحدها)، وراء إقدام نظام مبارك وحزبه الحاكم «ومجلسه التشريعي» على إجراء التعديلات التشريعية التي تحول دون إشراف القضاة على الانتخابات البرلمانية، وقد كان. وكانت نتيجة ذلك ما نعرفه جميعًا من نتائج لانتخابات ٢٠١٠ التي فاز فيها الحزب الوطني بكافة المقاعد٠

 

٨ ـ ثم .. في ملف القضية أوراق حديثة تضم اعتراضات شتى على «ما يبيت للقضاء بليل»، يشترك فيها أسماءٌ لا أظن أحدا من الجماعة الحاكمة «يجرؤ» على أن يمسهم بكلمة. من بينهم (مع حفظ الألقاب) حسام الغرياني، وطارق البشري، بالإضافة الى أحمد مكي / الوزير الذي ترجم موقفه في خطاب للرئيس.

 

●●●

 

وبعد..

 

فأصارحكم أنني في هذه المسألة، كغيرها في هذا الزمن الملتبس، أحاول أن أكون «قاضيًا» فلا ألتفت الى وجوه أصحاب هذا الرأي أو ذاك. فرغم حقيقة أن بعض الوجوه «المباركية» يُخجلك للأسف أن تنتسب للمعارضة، أو أن تقول بعضًا مما تقوله أنت، إلا أننا تعلمنا أن «الْحَقَّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَع».

 

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات