استسهال الحل والقرار الرشيد فى مصر - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استسهال الحل والقرار الرشيد فى مصر

نشر فى : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 أبريل 2014 - 6:30 ص

لاشك عزيزى القارئ أنك مررت بتجربة مشابهة لموضوع هذا المقال. وجدت نفسك فى موقف يستلزم اتخاذ قرار، ولجأت إلى ما اعتبرته فى ذلك الموقف الحل السهل الذى تراءى لذهنك وقتها، وأخذت فعلا بهذا الحل، ولكنك اكتشفت مع مرور الوقت أنه ربما كان من الأفضل لو ترويت قليلا، وقلبت جميع جوانب الموضوع، وكنت قد وصلت إلى حل آخر، ليس بنفس درجة السهولة، ولكنه أكثر رشادة، لأنه يقلل الأعباء التى ترتبت على الحل الأول، كما أنه يوفر مزايا لم يُتِحْها هذا القرار السهل الذى انتهيت إليه. وموقفك لا يختلف عن موقف الحكومات التى تواجه بالعديد من المشكلات التى تستلزم اتخاذ قرار، وسوف يكون من سوء حظ الحكومة أن تركن إلى الحل السهل دائما، فليس هو بالضرورة الحل الرشيد. ولذلك عكف علماء السياسة والاقتصاد والإدارة على دراسة هذه القضية، وانتهوا إلى قواعد لما يعرف بالقرار الرشيد. ولن أثقل عليك بذكر أنواع هذه القرارات، ولكن يكفى أن أوضح أن القرار الرشيد فى رأيهم هو الذى ينتج عن نقاش بين من يهمهم الأمر ويعرفون جوانبه، ويتم فى هذا النقاش تحديد المشكلة موضوع القرار، وجمع المعلومات عنها، وتحديد البدائل المختلفة للتعامل معها، ثم اختيار البديل الأقل فى كلفته والأكثر فى مزاياه، مع الاستعداد لتغيير هذا البديل عندما تتغير معطيات الموقف الذى دعا إليه فى المحل الأول. ولكن يبدو فى تجارب حكوماتنا أنها فضلت فى أحيان كثيرة الحل السهل، والذى أثبتت التجربة فيما بعد أن تكلفته أعلى، ولكن لأن قواعد صنع القرار الرشيد لم تراع عند اتخاذ هذا القرار فقد انتهى الأمر بحكوماتنا إلى انتهاج أسلوب متسرع فى صنع قراراتها، وتركت المجتمع ليدفع ثمن التكلفة المرتفعة له والتى كان يمكن تجنبها لو أنها تروت فى صنع القرار.

•••

والأمثلة وافرة على تفضيل أسلوب متسرع بدلا من أسلوب صنع القرار الرشيد. وسأبدأ بمثل لعلك تعرفه بنفسك. فى كل مدن العالم توجد تقاطعات للطرق، فى الميادين الكبرى وغيرها. طبعا هناك كثافة مرورية عند التقاطعات، وفى كل مدن العالم فى غير مصر يكون حل هذه الكثافة بتنظيم المرور، فلا تدخل كل السيارات القادمة من أربع اتجاهات على الأقل التقاطع فى نفس الوقت، ويتحمل قائدو السيارات الانتظار بعض الوقت حتى يعبروا جميعا التقاطع فى أمان. ولكن يبدو أن تنظيم المرور لدينا مشكلة شاقة وعويصة، ولذلك فضل المسئولون عن المرور حل هذه المشكلة بإلغاء التقاطع، وبإلزام قائدى السيارات على السير بضع مئات من الأمتار للسير فى الشارع الذى انتهوا إليه حتى يصلوا إلى «فتحة» جديدة يستديرون عندها لينتقلوا إلى الاتجاه المعاكس، وذلك بعد أن يعانوا من الازدحام عند اقترابهم من هذه الفتحة. مشكلة الازدحام على هذا النحو لم تجد حلا ولكن أراحت إدارة المرور جنودها وضباطها من الوقوف عند التقاطع، وتركت المشكلة لقائدى السيارات وللمارة لكى يتعاملوا معها بطريقتهم. هذا مثل لحل استسهالى ولكنه ليس بحل، فما زالت مشكلة الازدحام قائمة، ولكنها انتقلت من مكان لمكان آخر، والحل الصحيح هو تنظيم عبور السيارات والمشاة عند التقاطع مثلما تفعل كل دول العالم.

والمثل الثانى الذى أضربه هو الحل الذى انتهت إليه الحكومة فى قضية أزمة الطاقة فى مصر. أنفق خبراء الطاقة والاقتصاد وقتا طويلا يبحثون فيه عن حل أمثل لقضية الطاقة فى مصر وعلى نحو يعزز من قدرات الاقتصاد الوطنى ويحترم قواعد البيئة التى تدهورت أحوالها كثيرا فى مصر، وانتهت الحكومة إلى ما تعتبره القرار الصائب بالتعويل على استخدام الفحم كمصدر للطاقة. حل يبدو سهلا فقد اقترحه وزير الصناعة بناء على دعوة أصحاب المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة وفى مقدمتها الشركات الدولية المنتجة للأسمنت فى مصر. ولكن هل غاب عن حكومتنا أننا لا ننتج الفحم بكميات كافية ومن ثم سنضطر لاستيراده بكميات تكفى حاجة الصناعة وربما الاستخدام المنزلى ولذلك فعلينا توفير النقد الأجنبى اللازم لاستيراد الفحم مثلما علينا فى الوقت الحاضر توفير النقد الأجنبى اللازم لاستيراد الغاز الطبيعى أو المازوت الضرورى لتوليد الكهرباء، وفضلا على ذلك فعلينا توفير اعتمادات كافية فى الميزانية لإقامة البنية الأساسية لنقل الفحم وتخزينه، وقد يستلزم الأمر أيضا إقامة محطات طاقة جديدة تستخدم الفحم، وهذا يستغرق بضع سنوات، فقد لا يسهل على محطات الطاقة التى تعتمد على الغاز الطبيعى أو المازوت أن تتحول ببساطة للاعتماد على الفحم، واستهانت الحكومة فيما يبدو بالآثار الضارة لاستخدام الفحم على صحة المصريين بسبب ما ينجم عنه من أضرار على البيئة، صحيح أنها ذكرت فى قرارها أنها ستراعى الاشتراطات البيئية فى استخدام الفحم. طبعا الدول الأوروبية التى تستخدم الفحم تراعى هذه الاشتراطات، ولكن دولا مثل الصين والهند وهى من أكبر مستخدمى الفحم لا تراعى هذه الاشتراطات ومن ثم أصبحت تعانى تدهورا فى أوضاع البيئة فيها إلى الحد الذى اضطر الصين أن توقف المصانع المحيطة ببكين عند افتتاح الدورة الأوليمبية الأخيرة خشية ألا يتمكن مشاهدو حفل الافتتاح من التمتع بمشاهدته بسبب كثافة الدخان فى سماء العاصمة الصينيية والناتج عن استخدام الفحم بكثافة فى صناعاتها. هل نحن أقرب فى مراعاة الاشتراطات البيئية إلى الصين أم أوروبا؟ أظن أن إدارة البيئة عندنا هى أسوأ من إدارة الحكومة الصينية لها. ولذلك فلك أن تقدر فداحة الآثار المترتبة على هذا الحل السهل الذى انتهت إليه حكومتنا.

والمثل الثالث هو قريب منى لأنه يمس الوسط الجامعى الذى أنتمى إليه، لقد أصبح مألوفا خلال هذا العام الجامعى أن تتكرر المظاهرات التى يقوم بها الطلبة المتعاطفون مع الإخوان المسلمين وغيرهم، ولكن نظرا لقلة الأعداد المشاركة فيها من الطلاب والطالبات لم يترتب عليها وقف الدراسة لا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى أعمل بها ولا فى غيرها من كليات جامعة القاهرة. ولذلك فوجئت بمد عطلة نصف السنة أسبوعين إضافيين، وشعرت بالجزع عندما تقرر اختصار الفصل الجامعى الثانى إلى نصفه تقريبا وإنهاء كل المحاضرات يوم الأربعاء الماضى بعد سبعة أسابيع من بداية فصل كان ينبغى أن يستمر سبعة أسابيع أخرى. انتهيت فقط من نصف أحد المقررات، ولأسباب خاصة بالزملاء الآخرين لم ألتق بطلبتى فى مقررين آخرين سوى مرة واحدة أو مرتين. هذا القرار لا يستند إلى معلومات صحيحة عن حجم مظاهرات الطلبة المداومين على الاحتجاج. وهو ينطوى على رسالة ضارة بصورة من يحكمون مصر فهم على هذا النحو يبدون عاجزين عن ضمان استمرار مؤسسات المجتمع فى أداء وظائفها الأساسية، ثم هو يكشف عن استهانة بالغة بقيمة العلم، وكأن الذهاب إلى الجامعة هو مثل الذهاب إلى مكان للتسلية، وبالتالى لن يضار المجتمع كثيرا لو اختصر وقت هذه التسلية. هل تلك هى طريقة التفكير التى تتسق مع الحديث المتكرر والممل عن دخول مصر عصر المعرفة المتسارعة فى العالم.

•••

أنهى هذا المقال بمثل آخر على استسهال حل لقضية تمس الأمن الوطنى لعقود قادمة. لقد شاركنا فى الثورة على حكم الإخوان. ولكن ماذا نفعل بهم؟. القرار المعلن هو الإقصاء الكامل لهم. أعلنت حكومة الدكتور ببلاوى أنهم جماعة إرهابية، ونشرت حكومة المهندس محلب هذا القرار فى الجريدة الرسمية. ولكن هل هو قرار قابل للتنفيذ؟. بموجب القرار كل أعضاء الجماعة إرهابيون، ومن ثم يجب القبض عليهم وإيداعهم السجون. تقدر بعض المصادر أعداد الإخوان بمائتى ألف، وتقدرها مصادر أخرى بستمائة ألف، ويقدر أعداد من فى السجون منهم فى الوقت الحاضر بستة عشر ألفا. ومما أسمع أن السجون ضاقت بهم. هل نبنى سجونا جديدة لاستيعاب كل هذه الأعداد الباقية؟ وهل سيوقف ذلك احتجاجات من يبقى منهم خارج السجون، أو الأعمال الإرهابية التى يقوم بها المتعاطفون معه؟ إستسهلت الحكومة ومعها قسم كبير من الرأى العام هذا الحل المتمثل فى الإقصاء ولكنه فيما قد ترى معى ليس بحل.

هذه كلها أمثلة على استسهال الحلول فى قضايا مصيرية، ولكنها تحمل المجتمع كلفة بشرية ومالية ومعنوية هائلة لأن الحل الذى يبدو سهلا ليس هو القرار الرشيد. ولكن المشكلة هى أن المجتمع هو الذى يدفع الثمن وليس من يتخذ القرار.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات