ترامب وسياسة العصا الغليظة - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب وسياسة العصا الغليظة

نشر فى : الإثنين 28 مايو 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 28 مايو 2018 - 9:50 م

أصاب قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بإلغاء القمة التى كانت مقررة بينه وبين الرئيس الكورى الشمالى كيم أونج أون فى سنغافورة يوم ١٢ يونيو القادم، البعض بالحيرة والدهشة والبعض الآخر بالإحباط وخيبة الأمل. ومرد الحيرة والدهشة سابق موافقة ترامب على عقد هذه القمة رغم تحذيرات الخبراء والمتخصصين من وجود سوء تقدير من جانب الإدارة الأمريكية الحالية لما يستطيع ترامب انتزاعه من تنازلات من الجانب الكورى الشمالى، أما خيبة الأمل والإحباط التى انتابت البعض الآخر، فقد كانت نتيجة انهيار الآمال والأحلام والتى تعلقت بانعقاد مثل هذه القمة من أجل إنهاء الأزمة النووية الحالية فى شبه الجزيرة الكورية، وتوقيع اتفاق سلام نهائى بين واشنطن وبيونج يانج ينهى حالة الحرب القائمة بينهما منذ اندلاع الحرب الكورية الأمريكية ١٩٥٠ ــ ١٩٥٣. وقد كان أكثر الأطراف اندهاشا وانزعاجا من قرار ترامب هذا حليفيه الرئيسيين فى جنوب شرق آسيا، وهما كوريا الجنوبية واليابان. فما الذى حدث حتى يتراجع ترامب عن عقد هذه القمة، وبعد أن رشحته بعض الأوساط لجائزة نوبل للسلام؟ وما هى تداعيات مثل هذا القرار على مجمل السياسات الخارجية الأمريكية الحالية؟

بداية، يأتى هذا القرار متسقا مع سلوك إدارة ترامب فى العديد من القضايا والملفات الدولية، والتى كانت السمة الرئيسية فيها هى انفراد واشنطن باتخاذ قرارات أحادية ودون اعتبار أو تشاور مع أقرب حلفائها وأصدقائها، والأمثلة على ذلك كثيرة، وكان آخرها الإعلان عن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى مع إيران والموقع عليه من خمس دول أخرى، ثلاث منها دول حليفة لواشنطن (بريطانيا وألمانيا وفرنسا). ويضاف لما سبق، قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإتمام نقل السفارة الأمريكية إليها على الرغم من التحذير من مغبة مثل هذا القرار على فرص السلام فى الشرق الأوسط واستقراره، هذا فضلا عن قرار الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وسلسلة من القرارات الاقتصادية والتجارية التى تفرض أو تهدد بفرض رسوم جمركية على العديد من الشركاء التجاريين والاقتصاديين للولايات المتحدة، وبما يهدد بإشعال حرب تجارية معهم.
وقد أثارت كل هذه القرارات الكثير من الانتقادات ضد الرئيس ترامب وكيفية وأسلوب تعامله مع حلفاء وأصدقاء واشنطن قبل أعدائها. وفسر البعض سلوك ترامب هذا وقراراته بسماته الشخصية وما عرف عنه من اندفاع وجموح وتقلب فى الأهواء، ناهيك عن عدم اكتراثه بالكثير من القيم والتقاليد التى حكمت الرؤساء الأمريكيين السابقين أو سياساتهم الخارجية. ويستند أنصار هذا التفسير فى تحليل تصرف ترامب الأخير بأنه يميل إلى تعظيم مهاراته كمفاوض بشكل مبالغ فيه، وبالتالى قدرته على تحقيق ما عجز عن تحقيقه من سبقوه. ويضيف هؤلاء أن ترامب بعد أن أدرك أنه لن يحصل على ما كان يبتغيه من هذه القمة، وظهور بعض المؤشرات التى ترجح احتمالات إعلان كوريا الشمالية انسحابها منها، فقد أراد ترامب أن يقطع عليها هذا الطريق وبادر هو بالإعلان عن الانسحاب أولا.

ولا شك أن مثل هذا التفسير يتمتع بقدر كبير من المصداقية، وينسجم مع ما شهدته إدارة البيت الأبيض من تغيرات طالت بعض من كبار مسئوليها فى الآونة الأخيرة، والتى بدأت بخروج ستيف بانون مستشاره الاستراتيجى وانتهاء بكل من ريك تاليرسون وزير الخارجية وإتش آر ماكماستير مستشار الأمن القومى. وكان هذان الإثنان، بالإضافة إلى جيمس ماتيس وزير الدفاع، يمثلون ما تم تسميتهم بـ«عقلاء البيت الأبيض» لما كانوا يقومون به من وضع ضوابط على بعض اندفاعات ترامب والعمل على التقليل من آثارها السلبية فيما يعرف باسم damage control أى السيطرة على الضرر، أهمية خروج هذين المسئولين تتضاعف حين نعلم أن من حل محلهما (مايك بومبيو وجون بولتون) ليسا من نفس المدرسة، ولكن من مدرسة أخرى لا تقل تهورا أو جموحا عن ترامب، وأن أحدهما، وهو جون بولتون مستشار الأمن القومى الجديد، يعد من أبرز دعاة مدرسة المحافظين الجدد. وكلنا نعرف تاريخ أنصار هذه المدرسة فى دفع إدارة جورج بوش الابن إلى غزو العراق، وما نتج عن ذلك من أثار وتداعيات كارثية.
هذا، ويقوم فكر «المحافظين الجدد» ببساطة على أنه إذا أرادت الولايات المتحدة استعادة مكانتها والحفاظ على مصالحها، فإن على واشنطن أن تستخدم «قوتها» كأكبر قوة عسكرية واقتصادية فى العالم، من أجل فرض رؤيتها وسياساتها، وينطبق هذا على الحلفاء مثلما ينطبق على الأعداء. وهكذا وجد ترامب ودعوته لـ «أمريكا أولا» شريكا فكريا وسياسيا، يضيف له بعدا أيديولوجيا يزيده مصداقية فى أوساط نخبة الحزب الجمهورى التقليدية، ليصبح هو والمحافظون الجدد وجهين لعملة واحدة. وكانت أولى ثمار دخول هذه المجموعة مجددا للبيت الأبيض الإعلان عن انسحاب أمريكا من الاتفاق النووى الإيرانى وتدشين نقل السفارة الأمريكية إلى القدس دون إبطاء. هذا المنهج الذى ساد ملف العلاقة مع إيران يشرح إلى حد كبير ما جرى مع كوريا الشمالية. فطبقا للمحافظين الجدد، واشنطن ليست بحاجة أصلا للتفاوض مع إيران، وأن ما شجع إيران على المضى فى سياساتها المناهضة للمصالح الأمريكية كان إحجام الرؤساء الأمريكيين السابقين عن استخدام قوتهم، وإذا لم ترضخ إيران طواعية، فلا بأس من استخدام واشنطن لقوتها لإجبار إيران على الانصياع، حتى لو اقتضى الأمر العمل على تغيير النظام بها. نفس هذا المنطق يتم تطبيقه على كوريا الشمالية، وما علينا سوى العودة إلى بعض من تصريحات بولتون قبل تقلده منصبه حول كيفية التعامل مع بوينج يانج، بما فى ذلك استخدام القوة وقصفها بالقنابل إذا اقتضى الأمر.
خطورة ما سبق، أنه إذا اجتمع فكر مثل فكر «المحافظين الجدد»، مع شخصية مثل شخصية ترامب، فإن المقدمات لا تبشر بنتائج جيدة. ومن المعروف أن جميع الإدارات الأمريكية السابقة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، قد درجت على اتباع نصيحة أو مقولة الرئيس الأمريكى الجمهورى الأسبق تيدى روزفلت (١٩٠١ ــ ١٩٠٩) بأن «تحمل عصا غليظة وتتحدث بلغة ناعمة»، ولكن يبدو أن ترامب ومن حوله قد أصابهم غرور القوة وغطرستها، وقرروا أن يكتفوا بالعصا الغليظة.. وكذلك استخدامها.

التعليقات