وما يسطرون - محمد موسى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وما يسطرون

نشر فى : الأحد 28 يونيو 2009 - 10:10 ص | آخر تحديث : الأحد 28 يونيو 2009 - 10:10 ص

 «أنا متورط رئيسى فى معظم الجرائم التى تملأ أكشاك الصحف».

قالها الصحفى وفنان الخط العربى حامد العويضى، الذى اختار الغياب قبل أكثر من عام، ومضى تاركا ضحكة صافية، ما زالت تؤرق أحبابه فى الصحو والمنام.

كان حامد يقصد الصحف والمجلات التى بدأت فى السنوات الأخيرة تزدحم دون هوادة، يومية وأسبوعية، متخصصة وعامة، رزينة وصفراء، وبكل الألوان.

كان يفرح بكل مطبوعة جديدة، وغالبا ما يتبرع بتصميم الشعار على الأقل، أو يندفع فى تصميم الماكيت الأساسى، حبا فى المهنة والابتكار، فلماذا قال إنها جرائم؟.

أتذكر العبارة كل صباح، وأنا أتجول بين الصحف ووسائل الإعلام: موائد عامرة بالحكايات السياسية والرياضية والفنية، من تصريحات المسئولين عن مصائر الشعوب، إلى وعود الصاعدين للتحكم فى مصائر الشعوب.

ومن البحث فى تفاصيل الجرائم الكبيرة والصغيرة، إلى الأسرار الجنسية لأبطال الجريمة والفن والكرة.

تتخذ المعالجة الإعلامية لما يجرى فى هذا العالم وتيرة واحدة، لكنها تتحاشى دائما، وفى كورالية منضبطة، كل ما قد يفيد أو يهم، أو يضيف زاوية إيجابية لحياة المستهلك، الذى هو القارئ.

وعلى طريقة العقد الافتراضى بين صانعى السينما والجمهور، «نحن نخدعك وأنت تصدقنا»، ارتضى جمهور الإعلام الوجبة التى تلقيها إليه الصحف صباحا، أو تزوقها له شاشات التوك شو مساء، باعتبار أن «هى دى الصحافة»، دون أن يتصور بديلا أو إعلاما أكثر فائدة وقربا من الناس.

فى كتابه «زعماء الإصلاح فى العصر الحديث»، يلاحظ الكاتب أحمد أمين أن التاريخ المكتوب كان معنيا بالخليفة والأمير والقائد، لكنه لم يلتفت أبدا إلى الإنسان.

والإعلام الحديث، وهو نوع من التدوين اليومى للتاريخ، يرتكب الخطيئة نفسها، فيتابع أخبار مجرمى الحرب فى المانشيت الأول، لأنهم يحتلون مواقع رسمية فى بلادهم، ويفرد الصفحات للقتلة والمنحرفين ونجوم الفضائح والمتحرشين بالأطفال، لأنها المواد الصحفية الأعلى مبيعا.

ويطارد شيخا أصدر فتوى شاذة عن إرضاع الكبير، لأن الموضوع سخن.

قبل أيام تلقت الجريدة دعوة من مواطن أراد أن يقدم اعتذارا علنيا لزوجته، من خلال لافتة فى الشارع، وفرقة موسيقى تعزف تحت البلكونة.

ولأن الرجل يعرف تهافت الإعلام على مثل هذه القصص، أعطى إشارة البدء فى الحفل أمام عدسات مصورى الصحف والفضائيات، رغم أن ما يجرى خلاف عائلى ندعو الله أن يكون تافها.

نجح رهان الرجل فى جر الإعلام إلى ساحته المفضلة: الكلب الذى يعض إنسانا هو الخبر، قالها مزور مجهول، وصدقه ملايين العاملين فى وسائل الإعلام فى العالم.

لم تكن ضحكة إذن تلك التى أطلقها حامد العويضى، بل كانت رثاء للجرائد التى تحولت إلى جرائم.

محمد موسى  صحفي مصري