النظام العربى ودروس التجارب الأوروبية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النظام العربى ودروس التجارب الأوروبية

نشر فى : الأربعاء 28 يوليه 2010 - 10:07 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 يوليه 2010 - 10:07 ص

 يشارك العامة المتخصصين التحسر على القصور العربى فى الإنجازات مقارنة بما حققته أوروبا رغم تزامن البدايات، ورغم ما بين العرب من قواسم مشتركة مقابل التاريخ الأوروبى المثقل بالصراعات، التى جرت العالم كله إلى حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. إلا أن هذا يتم من منطلق النظر إلى المنظومة العربية من خلال جامعة الدول العربية، التى تضم هذه الدول جميعا، وإلى الاتحاد الأوروبى كتعبير عن المنظومة الأوروبية. والواقع أن المقابل الدقيق للجامعة هو تلك المنظمة المسماة «مجلس أوروبا»، الذى وقعت معاهدة لندن المؤسسة له عشر دول أوروبية فى 5/5/1949، استجابة لنداء تشرشل بإنشاء ولايات متحدة أوروبية.

وكان يركز على قضايا حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية من أجل تفادى المآسى، التى تسببت فيها النظم الديكتاتورية، التى تفشت خلال النصف الأول من القرن العشرين. وارتفعت عضويته إلى 23 فى 1989، ثم فتح الباب لدول أوروبا الشرقية التى قبلت مبادئه ليغطى كل أوروبا تقريبا، ويضم 800 نسمة فى 47 دولة.

واتخذ له مقرا فى ستراسبورج (فرنسا) يدير شئونه لجنة وزراء، أعضاؤها وزراء الخارجية وينوب عنهم ممثلوهم، وله مجلس برلمانى، ومحكمة لحقوق الإنسان، ومؤتمر للمنظمات غير الحكومية. وقلما نجد ذكرا لهذا المجلس فى الأنباء العالمية خارج أوروبا. أما المؤسسة التى تتصدر حركة المجتمع الأوروبى فهى الاتحاد الأوروبى، الذى نشأ كجماعة أوروبية من ست دول ترمى إلى بناء سوق مشتركة، كان يتوقع لها أن تمهد الطريق إلى وحدة سياسية أوروبية كهدف ظل ثابتا فى أذهان الأوروبيين يعملون من أجله متعقلين دون انفعال عاطفى قد يكون مدمرا.

لقد أدرك الأوروبيون، أمرين: الأول أن ما بين دولهم من تشابك وتداخل فى المصالح قد يقضى إلى صراع مدمر، لن يوظف توظيفا سلميا فعالا، إلا بإقامة وحدة سياسية قادرة على توفير الرخاء لجميع المواطنين على حد سواء، مهما تباينت أصولهم وثقافاتهم ومعتقداتهم ولغاتهم. الأمر الثانى أن هذا الهدف لن يكون ممكنا مجرد التفكير فى العمل من أجله ما لم تسد نظم ديمقراطية راسخة الجذور، وهو ما يكفل عملا متناغما على الصعيدين الرسمى والشعبى، ويهيئ لدولة وحدة تتمتع بذات الصفات. من جهة أخرى أن التعبير الملموس للمصالح يتم من خلال تنمية اقتصادية واجتماعية مطردة، تحسن استغلال ما لدى الجميع من موارد وتتيح نواتجها لهم كافة، وتعالج ما قد تتعرض له مواقع أو فئات من ضيق أو عوز.

أى ان التجمع وإن اتخذ اسم «سوق» لا يقف عند الحدود الصماء للسوق بالمفاهيم الاقتصادية المجردة، بل يجب أن يرفع راية العدالة الاجتماعية ويوفر آليات التكافل التى تشعر الجميع أن كلا منهم فى عون أخيه. بينما ظلت المنظمة السياسية وفية لقواعد تأسيسها ذات الطابع السياسى، فإن البعد الاقتصادى بما يعنيه من توظيف للموارد يتوقف مدى الرضا عنه على وجود توافق عام حول ما توجه إليه تلك الموارد، وقبول ما يستلزمه ذلك من مؤسسات لاتخاذ القرار على المستوى الإقليمى دون إخلال بأسس الديمقراطية أو تعارض مع قواعد اللامركزية ينتهى إلى إكساب التنظيم الإقليمى قدرات ذاتية لا تنتقص من القدرات القطرية والمحلية.

ولذلك بدأت معالجته بتجربة التجمع فى قطاعات الفحم والصلب لتميزها بأمرين: الأول أن الحكومات القطرية كان لها وجود فعال فى إدارة شئونها، فكان من الضرورى ضمان الاتساق بين القرارات الصادرة عنها، والثانى أنها كانت صناعات قاعدية بالنسبة للمجهود الحربى، فكان من الضرورى عدم السماح بانفراد أى قطر بالقرارات بشأنها، مما قد يفضى إلى تهديد للسلام الذى يمثل الغاية الجوهرية للتجمع الأوروبى. وتبع ذلك إنشاء جماعة تعنى بالمصدر الجديد للطاقة، وهو الطاقة الذرية، وتحرص على قصره على الاستخدامات السلمية.

أما الجماعة الأساسية التى أنشئت فى 1957 فكانت اتحادا جمركيا يفضى إلى سوق موحدة ينتقل فيها دون عائق جميع التدفقات الاقتصادية وكذلك البشر بإسهاماتهم المختلفة فى النشاط الاقتصادى. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت السند الرئيسى للدول الأوروبية فى استعادة كياناتها التى حطمتها الحرب العالمية، حثت أوروبا على التوحد تسهيلا لها على التعامل معها كمجموعة تعبئها فى مواجهة الشيوعية التى ابتلعت أوروبا الشرقية.
ورغم الإنجازات الهائلة التى حققها الاتحاد الأوروبى فإن السنوات الأخيرة شهدت تطورات نذكر منها اثنين: الأول أن الجهود المكثفة للانتقال إلى وحدة سياسية تعثرت، ولعبت أيرلندا وهى من أصغر الدول الأعضاء، دورا بارزا فى ذلك. ويثير هذا تساؤلا حول مقولة إن الاقتصاد هو بوابة الوحدة السياسية، وما إذا كانت المشكلة فى الفكرة أم التطبيق. الثانى أن الدول الأطراف وهى الأدنى مستوى، تعرضت لمشاكل مالية عويصة، باتت تهدد العملة الموحدة (اليورو). ويثير هذا تساؤلا حول مدى وطبيعة التقارب الاقتصادى، الذى يكفل للسلطات النقدية الإقليمية القدرة على رعاية شئون الوحدة النقدية، وهو أمر مثار حاليا بالنسبة للوحدة النقدية الخليجية. ولنا أن نطرح للمناقشة قضية تعاقب مراحل الوحدة وأشكالها، وموقع الوحدة السياسية أو على الأقل حدود السلطة المختصة بالشئون الاقتصادية التى تعطى لمركز التجمع الإقليمى، وإعادة النظر فى تتابع الوحدات السياسية والاقتصادية والنقدية.

على المستوى العربى اعتُبر التعاون هو الأساس بينما انكمشت الوحدة إلى آمال يتهم أصحابها بالرومانسية، وجاء التعاون الاقتصادى على هامش الدفاع المشترك ليتحول من لجنة بالجامعة إلى مجلس يبحث لنفسه عن دور حتى على حساب الوحدة الاقتصادية بين دول ما زال معظمها يجاهد للتخلص من التخلف. وبعد أن كانت الدول العربية تتعايش فى سلام، إذا بها تتصارع داخليا وفيما بينها ولا تجد سندا لتوحدها من خارجها. أن تتخلص من العقدة الأوروبية وتؤصل نظريا لتكتلها فى عالم متعولم.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات