منذ أن ردد كثير من قادة العالم الأكثر تقدما فى آخر عقدين من القرن الماضى أن (النُظم الحكومية) باتت تمثل المشكلة و(ليس) الحل فى إدارة الدول، وحركة الأبحاث تدور بلا توقف لتشكل تصورا جديدا قابلا للتنفيذ بشأن النموذج الحكومى المثالى.

***********************

البروفيسور Eline c.Kamarck الأستاذة بجامعة Harvard تطلق وصف «دولة ما بعد البيروقراطية» على كل الاجتهادات العلمية التى تصبو إلى إعادة هندسة (Reengineering Process) الشكل المؤسسى للحكومة وقطاعاتها المختلفة وعلاقاتها بالمجتمع وبالمواطن، وتؤكد أن العوامل التى ستشكل مثل هذه الدولة تتلخص فى:

تعيين«مديرين تنفيذيين» على قدر عال من المهارة والموهبة فى الحكومة، الترابط الوثيق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فى الاتفاق على ما يجب عمله ثم دراسة كيفية الوصول إليه، وأخيرا استبدال نظام المسئولية القائم على اتباع اللوائح والقوانين بنظام آخر قائم على (تقييم الأداء).

***********************

«تناغم الغايات والوسائل» مبدأ أساسى أصرت Eline على تأكيده مع كل مشكلة تعرض لها وتمثل عائقا بيروقراطيا تقليديا، لأن القضية من وجهة نظرها ليست فى انتقاء أساليب جديدة ومبتكرة تتسم فى حد ذاتها بالمرونة والفاعلية ثم نفاجأ أنها قد لا تتناغم مع السياسة العامة (Public Policy) ومن ثم تثمر فشلا ذريعا عند التطبيق فنعود بعدها للدوران فى حلقة مفرغة!

***********************

فى إدارة الدول ــ لا سيما وقت الأزمات ــ لا مكان لتشاؤم أو تفاؤل، لا حديث عن أمنيات أو أحلام، لكن وحدها لغة الـData وتحليل مدلولاتها هى التى تسود وتضبط بوصلة القيادة.. كبار صانعى السياسات فى العالم الآن ينصحون متخذ القرار بالتوقف عن الاعتماد على حدسه الخاص وتفضيلاته الشخصية فيما يتعلق بترتيب أولويات إدارته، والاعتماد فقط على المعلومات الموثقة بالأدلة لترتيب تلك الأولويات.

كتاب Money Ball for Government الذى اشترك فى صياغته ثلاثة عشر كاتبا أمريكيا دفعة واحدة وكل واحد منهم يختلف عن زميله أيما اختلاف، ما بين الجمهورى والديمقراطى، الذى خدم مع إدارة بوش والذى خدم مع إدارة أوباما، من كان ضمن حملة هيلارى ومن شارك فى حملة رومنى.. ومعروف ما بين كل هؤلاء من اختلاف فى وجهات النظر الاقتصادية والسياسية بل والاجتماعية، لكن الاتفاق بينهم كان واضحا على أهمية اختيار السياسات ــ أيا كانت ــ بناء على المعلومة والإحصاء ثم التحليل بعد ذلك... الاعتماد على الحدس والذائقة لا يصلح إلا لزمن فات!

***********************

(دولة ما بعد البيروقراطية) هى الوريث الشرعى للحكومات التقليدية، تعيد ابتكار نظم حكومية وبيروقراطية بصورة حديثة، وتعيد هيكلة المؤسسات الحكومية بما فى ذلك إعادة ترتيب الأدوار والمسئوليات بل حتى قد تبتكر مستويات جديدة من الإدارة.. المهم أنها تتجاوز الشكل النمطى التقليدى لحكومة اليمين أو اليسار!