«أسطورة طرزان».. تقديس الطبيعة وتحرير العبيد - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أسطورة طرزان».. تقديس الطبيعة وتحرير العبيد

نشر فى : الخميس 28 يوليه 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 28 يوليه 2016 - 9:25 م

يقدم فيلم «the legend of tarazan» أو «أسطورة طرزان»، والذى أخرجه ديفيد ياتس، استلهاما جديدا لافتا للتأمل، لتلك الشخصية الخيالية التى ابتدعها إدجار رايس بوروس، وصارت منذ ظهورها فى أولى قصصها فى أكتوبر 1912، من أيقونات القرن العشرين، ثم حققت انتشارها المدوى مع السينما، صار طرزان نموذجا لإنسان الجذور، المقبل حرفيا من الغابة، رغم أصله النبيل.


حافظت النسخة الجديدة التى تكلفت ملايين الدولارات، على استعراضات طرزان فى الغابة، وعلى معاركه التى نرى فيها قدراته الخاصة، إنها من «لزوميات» السلسلة، ولا يوجد فن مثل السينما يستطيع أن يحققها، خاصة فى زمن خدع الكمبيوتر، وفى عصر الأفلام بتقنية البعد الثالث.


وحافظ الفيلم على مغزى الحكاية، وسر نجاحها: فكرة العودة إلى البدايات، حيث الغابة، والطبيعة، والإنسان الذى يتعلم وحيدا كيفية أن يعيش، طرزان فى جانبه البدائى يذكرنا بأجدادنا الأوائل، قد لا يكونون قد تربوا فى رعاية غوريلا ضخمة، أو فى عناية قرد من فصيلة خيالية اسمها «مانجانى»، ولكنهم بالتأكيد كانوا عراة فى غابة هائلة، وغير صديقة بالمرة، كما أنهم عرفوا طريقة ترويض العالم المحيط بهم لمصلحتهم، واستخدموا القوة بالقطع، من أجل البقاء على قيد الحياة.


ولكن فيلم «أسطورة طرزان»، الذى يقدم التحية للطبيعة الأم بكل ما فيها من حيوان ونبات ومياه، يبعد شخصيته الأسطورية عن أى شبهة عنصرية، طرزان فى الأصل من عائلة بريطانية نبيلة، غرقت سفينة والده ووالدته، فأصبحت الأسرة فى قلب الغابة، وقامت الغوريلا بدور الأم البديلة، إلا أن ذلك لم يمنع الإنسان البدائى من أن يعود إلى بريطانيا، نراه فى المشاهد الأولى باسمه الأصلى جون كلايتون، ونعرف أنه أيضا عضو فى مجلس اللوردات.


الإنسان الأبيض/ طرزان يأخذ فى فيلمنا لمسات تؤكد بوضوح أنه أبعد ما يكون عن التعالى على الموطن أو المواطن الأفريقى، إنه يحمل فى بريطانيا لقب «ابن أفريقيا»، الناس تعرف قصته فى الغابة، وهو يفتخر بها، وزوجته «جين» كانت أيضا معه فى أفريقيا، ابنة لمدرس أمريكى للغة الإنجليزية، أحبها فتزوجها، ثم سيعودان معا إلى حيث القبيلة السوداء التى عرفاها فى الكونغو، يتم استقبالهما بحب، ونراهما يتكلمان نفس لغة القبيلة، ثم تأخذ الفكرة بعدها الأوسع، عندما يعود طرزان وجين إلى الكونغو ومعهما جورج واشنطن وليامز، مبعوث الرئيس الأمريكى، وتصبح المغامرة بأكملها انتصارا مزدوجا: أولا للطبيعة التى يدين لها طرزان بالقوة والقدرة، وثانيا للإنسان الأسود، ساكن الغابة، فى مواجهة المستعمر الأبيض المنافس، الذى يريد أن يسلب أهل القبائل حريتهم، وأن يسلب ثرواتهم، وخصوصا العاج والماس.


زمانيا، يتعامل الفيلم مع السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، حيث يصطنع صراعا بين الملك ليوبولد ملك بلجيكا، الذى امتلك حوض الكونغو، والذى أصبحت ثروات تلك المناطق البدائية وسيلته لتسديد ديونه، وبين بريطانيا العظمى، وقد كانت أيضا قوة استعمارية، ولكن الفيلم لا يرى سوى وجهها الذى يحارب تجارة الرق والعبيد، وما زيارة طرزان، وصديقه الأمريكى، إلى الكونغو إلا محاولة لاكتشاف سر ما يفعله ليوبولد ومبعوثه ليون روم (كريستوف والتز) فى الغابة وأهلها وقبائلها، واكتشاف فرص الشراكة مع ملك بلجيكا، إذا كانت الأمور على ما يرام.


يتحرك السيناريو فى عدة اتجاهات محسوبة: ذكريات الماضى التى تعيش فى عقل طرزان وجين، الأول يتذكر أمه البديلة الغوريلا، وكلمات والده المكتوبة فى أجندته الصغيرة، حيث أوصى ابنه بالرجوع إلى بريطانيا، إذا كتبت له الحياة فى الغابة، يتذكر طرزان أيضا مقتل أمه بسهم صبى أفريقى، وقيام طرزان بالانتقام، حيث يقتل الصبى، أما جين فهى تتذكر بداية تعرفها بطرزان، تستمتع بقوته، ويتعلم من تحضرها.


اتجاه آخر معاكس هو ما يدبره ليون روم الذى يمثل مركز الصراع ضد طرزان فى الفيلم، إنه يكون فريقا من المرتزقة، وينتظر جيشا آخر يكون نواة لإمبراطورية يستغل البلجيك عبيدها وثرواتها، ولأنه يريد الماس، يعقد صفقة مع زعيم القبيلة التى تسيطر على مناجمه، يريد الزعيم رأس طرزان؛ لأنه قتل ابنه الصبى فى الحادثة القديمة، يحصل ليون على الكنوز، فى مقابل تسليم طرزان.


لم تكن دعوة طرزان القادمة من ملك بلجيكا إلا فخا لاستدراجه وقتله، يتحدد طرفا الصراع بوضوح: طرزان وجورج واشنطن وليامز وجين، فى مواجهة ليون روم وزعيم القبيلة، أنت تعلم بالطبع من سينتصر فى النهاية، ولكن ليس قبل مغامرات تتزاحم فيها مهارات طرزان فى القفز والاشتباك والمصارعة (لدرجة أنه يصارع أخاه القرد العملاق)، ومهارات الضيف الأمريكى فى إطلاق الرصاص، وشجاعة جين أثناء اختطافها، وتعاطف حيوانات الغابة مع صديقها القديم العائد، ليست الغوريلات فحسب، وإنما الأسود والنعام والتماسيح... الخ.


يضرب الفيلم عدة عصافير بحجر واحد: اللورد الأوروبى يقدم التحية للغابة، وللحيوانات، وللإنسان الإفريقى الذى لا يستحق العبودية، يختفى وجه المستعمر البريطانى تماما، وكأن الإنجليز لم يستغلوا ثروات المناطق التى استعمروها، ويبدو المبعوث الأمريكى حليفا مخلصا يمكن الاعتماد عليه، دوافعه إنسانية بحتة، جورج واشنطن وليامز (بأداء صامويل جاكسون) هو الذى سيكتب التقرير الذى يدين الملك ليوبولد بشأن تجارة العبيد، سيحمل التقرير تاريخ العام 1890، ولا ننسى أن جورج واشنطن وليامز، المثقل فى الفيلم بالحرب الأهلية الأمريكية، وبالحرب فى المكسيك، وبما فعله فى الهنود الحمر، قد تطهر ولو جزئيا بتحرير العبيد الأفارقة، وبمساعدة طرزان ابن أفريقيا.


لم تختلف صفات طرزان الجسدية كثيرا عما سبق من أفلام، ألكسندر سكارسجارد ممثل عملاق الجسد، تعبيرات وجهه جامدة إلى حد كبير، ولكن المهم بالنسبة لصناع سلسلة أفلام طرزان هو الأداء الحركى، مارجوت روبى فى دور جين كانت أيضا عادية، بينما كانت البصمة الأهم بالطبع فى أداء الكبير كريستوف والتز فى دور ليون روم، الشخصية شرسة عند اللزوم، ولكنها تتصرف مثل جنتلمان، من أفضل مشاهده حواره مع جين الأسيرة على مائدة الطعام، إنه «الرجل الذئب» فى مقابل «الرجل القرد» الذى يمثله طرزان، جزء أساسى من نجاح الفيلم قوة شخصية الشرير التى لعبها والتز، أما صامويل جاكسون فقد كان أيضا فى دور عادى لا يناسب قدراته المعروفة. قدم المخرج تتابعات حركية مبهرة بصريا، مع التوظيف الجيد لتقنية البعد الثالث، التى استخدمت لنقل الغابة وحيواناتها إلى صالة السينما، يتأرجح طرزان فكأنه يحلق فوق مقعدك، وتقتحم الحيوانات مكان روم وجنوده، فكأنهم يثيرون الغبار فى صالة المشاهدة.


ربما لم يفسر الفيلم سبب رفض طرزان للعودة إلى أفريقيا فى البداية، ولم يكن الفيلم مقنعا فى نتيجة معركة طرزان مع زعيم القبيلة طالب ثأر ابنه، ولكن تحية المكان استمرت حتى النهاية، طفل طرزان سيبدأ أيضا من هناك.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات