الرهان على هيلارى كلينتون.. مخاطرة أم مكسب؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهان على هيلارى كلينتون.. مخاطرة أم مكسب؟

نشر فى : الأحد 28 أغسطس 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : الأحد 28 أغسطس 2016 - 9:05 م
تشير معظم استطلاعات الرأى إلى تفوق المرشحة الديمقراطية كلينتون على غريمها الجمهورى ترامب، سواء فى الاقتراع الشعبى بنسب تتراوح ما بين ثمانية وعشرة فى المائة أو فى أصوات الهيئة الانتخابية بأغلبية أكثر من مائة وخمسين صوتا من مجموع خمسمائة وثمانية وثلاثين، وهى التى فى النهاية تقرر من الفائز فى الانتخابات. ولا يرجع هذا التفاوت بالضرورة إلى ثقة الناخب فى كلينتون بقدر ما يرجع إلى الأخطاء التى يرتكبها ترامب واحدة تلو الأخرى، وهو ما حدا به أخيرا وبإيعاز من مدير حملته الانتخابية إلى توجيه اعتذار عام لكل من أساء إليهم. بيد أن هذا الاعتذار جاء متأخرا بعض الوقت وبعد وقوع الفأس فى الرأس.

ورغم تفضيل الكثيرين فى مصر لترامب، خشية من أن تكون حقبة كلينتون هى استمرار لحقبة الرئيس أوباما الذى ذقنا منه الأمرين، فإنه يقع على عاتقنا تدارس ما يمكن أن تقدمه كلينتون لمصر وللمنطقة ككل. وأننى فى غنى هنا عن التذكير بخبرة كلينتون التى اكتسبتها من عملها السياسى على مدى أربعين سنة فى وقت كان ترامب فيها منهمكا فى جمع الأموال وبناء ملاهى القمار.

وللكثيرين الذين يرون أن مواقف وتصريحات ترامب ضد جماعة الإخوان أكثر قوة وتصميما، أود لفت انتباههم إلى أن موقف المرشح الجمهورى إزاء المسلمين يشكل مصدر خوف عام وعاملا محرضا وتحفيزيا لكثير من المسلمين للانضمام إلى الجماعات المتطرفة لإيمانهم بأن ترامب سيشن حربا ضد المسلمين، إذا ما فاز بالرئاسة.
وأسارع بالقول أن الغرض من هذا المقال ليس الدعاية لصالح كلينتون وإنما السعى سويا للتعرف على كيفما يمكن لنا فى مصر وفى المنطقة الاستعداد لكلينتون رئيسا قادما لأمريكا طالما أصبح ذلك هو المرجح. وأن هذا لا يعنى استبعاد ترامب من حساباتنا، فإن أحدا لا يعلم ما قد يأتى مستقبلا لقلب هذه الموازين. وفيما يلى بعض الحقائق التى يجب أن نعيها عند تقييمنا لهيلارى كلينتون استعدادا لها ولاكتسابنا أرضية معها.

***

أننا نعى أن اهتمام الولايات المتحدة بمصر كقوة إقليمية يرجع إلى ما يمكن أن تقدمه مصر فى الأساس وبما يتفق والمصالح الأمريكية ويخدم فى نفس الوقت المصالح المصرية فى إطار العلاقات بين الدولتين. فالعلاقات بين الدول تقوم على الأخذ والعطاء، وليس هناك دولة تأخذ فقط، كما أنه ليس هناك دولة تعطى فقط. ويجدر هنا التذكير بموقفين كان العطاء فيهما سخيا من الجانبين، وهما اتفاقية كامب ديفيد للسلام فى 1978، وحصول مصر فى المقابل على دعم مالى بمبلغ وقدره 3.6 بليون دولار. أما المرة الثانية فكانت قبيل حرب الخليج الأولى، حين كان الوضع الاقتصادى فى مصر حرجا للغاية وقدرتها منعدمة على سداد ديونها الخارجية، ورفض الصندوق التفاوض مع مصر للموقف المناوئ الذى اتخذه مبارك ضد رئيس الصندوق كانديسو واصفا إياه بحلاق القرية.

نجحت مصر بما قدمته من تسهيلات فى عملية تحرير الكويت ضمان وقوف الولايات المتحدة معها فى محنتها، حيث قامت أمريكا بإلغاء الديون العسكرية بأكثر من ستة بلايين دولار، ووقفت مع مصر فى مفاوضاتها مع الصندوق، وألزمت الدول الأوروبية إلى إعادة جدولة ديون مصر. وتفوقت مصر على تركيا فى أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة، حيث رفض البرلمان التركى آنذاك السماح لأمريكا بفتح جبهة شمالية ضد العراق، بغية تحرير الكويت. والقصد هنا بيان أن مصر هى صانعة هذين الموقفين، وبهما ألزمت أمريكا على العطاء السخى فى المقابل.

كما أن مصر قادرة على اختلاق مواقف تصبح فيها محل اهتمام الولايات المتحدة بغض النظر عن ظهور قوى إقليمية جديدة فى المنطقة مثل المملكة السعودية وإيران وتركيا. وأولى هذه المهام هو ما يمكن أن تقوم به مصر بالنسبة للقضية الفلسطينية. وما يدفعنى إلى الإشارة إلى هذا الدور هو علمى بمدى اهتمام كلينتون بإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

كانت هيلارى كلينتون من أوائل من طالب بإقامة دولة فلسطينية فى عام 1998، عندما كانت زوجة للرئيس بيل كلينتون، موضحة حينئذ أنه فى مصلحة الشرق الأوسط أن تكون هناك دولة فلسطينية. وساهم هذا الطرح إلى تبنى إدارة زوجها هذه الفكرة وضمها إلى المبادرة التى تقدم بها بيل كلينتون لكل من الرئيس عرفات والرئيس إيهود باراك قبل انتهاء مدة رئاسته الثانية بشهور قليلة. وليس من المستبعد إعادة هيلارى كلينتون إحياء هذه المبادرة والاستفادة من روابط الصداقة التى تربطها بنتنياهو للدفع بها، وذلك على عكس الرئيس أوباما الذى انعدمت الكيمياء بينه وبين نتنياهو، مما أفقده أى هامش للمناورة فى تحريك القضية.

ويكفى هنا الإشارة إلى أن من أولى المهام التى قامت بها كلينتون عند توليها منصب وزير الخارجية فى إدارة أوباما، فى يناير 2009، قيامها بتعيين السيناتور جورج ميتشل مندوبا خاصا للشرق الأوسط، الأمر الذى يعنى إعطاءها الأولوية للقضية الفلسطينية فى إطار سياستها الخارجية. وأشادت كلينتون فى كتابها بأن مصر كانت سندا لها فى مسعاها من أجل إيجاد تسوية عادلة ودائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. غير أن محاولات التسوية باءت بالفشل فى أعقاب الربيع العربى والاتجاه نحو إهمال هذه القضية كلية.

هذا، وإن إلمام كلينتون بأبعاد القضية وفهمها للعقلية السائدة فى المنطقة، يمثل ميزة أساسية تمكنها من بدء العمل فور توليها الرئاسة، وذلك على العكس من المرشح الجمهورى ترامب، وهو لا خبرة له بالسياسة الخارجية ولا معرفة له بالمنطقة وتتأرجح مواقفه يمينا وشمالا. وعليه، فإن نجاح كلينتون يعتبر نقطة إيجابية لإعادة ثقل مصر وتجديد علاقتها بالولايات المتحدة، لما لمصر من دور غير متوفر لأية دولة أخرى القيام به بالنسبة للقضية الفلسطينية.

***

أما فيما يتعلق بالتطرف الإسلامى، فإن هيلارى كلينتون لا تختلف كثيرا عن ترامب فى رؤيتها أن الدولة الإسلامية تشكل تهديدا خطيرا على الصعيدين الإقليمى والدولى، وتعترف بأن مجموعة داعش أكثر خطورة ووحشية عن تنظيم القاعدة. وعلى عكس ما يشاع، فإن كلينتون لم تكن مؤيدة صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم فى مصر، بل كانت فى معسكر تترأسه مع نائب الرئيس بايدن وآخرين ممن كانوا يرون عدم التعجيل بالتخلى عن مبارك وإبقائه للفترة الانتقالية ضمانا لعدم قفز الجماعة الإسلامية على الحكم باعتبارها القوى الأكثر تنظيما فى ذلك الحين، وهو الأمر الذى رفضه البيت الأبيض والرئيس أوباما.

وعلى عكس ترامب، فإن كلينتون لديها خطة محكمة لمحاربة الدولة الإسلامية المزعومة والتغلب عليها، كما أنها لا تمانع من إيفاد قوات برية أمريكية إذا لزم الأمر مخالفة بذلك مواقف أوباما المعروفة. وهى مقتنعة تماما بعدم الاكتفاء بمحاربة داعش فى العراق وسوريا بل ضرورة التخلص من بؤر داعش التى تتضاعف فى ليبيا بعد تضييق الخناق عليها. فإن كلينتون لن تمشى على خطى أوباما، على عكس ما يشيعه الحزب الجمهورى. وسوف تختار هيلارى كلينتون بين نموذجين كل منهما على النقيض من الآخر، وهما نموذجا الرئيسين أوباما وزوجها. ففى حين قام أوباما وإدارته بالتخاذل فى تعامله مع التطرف الإسلامى فى المنطقة، فإن كلينتون الزوج هب لإنقاذ المسلمين فى كوسوفو والبوسنة، وخاض الحرب منفردا فى ضوء الفيتو الروسى فى مجلس الأمن ضد شن هجوم على يوغوسلافيا. ومن المرجح أن تسلك كلينتون نموذج زوجها كلينتون فى حربها ضد داعش.

***

ويبقى السؤال الأهم وهو كيف يمكن لمصر استغلال الأوضاع الحالية لصالحها، بحيث تشكل أرضية جديدة بين الدولتين من أجل محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى المنطقة؟

تظل مصر دولة الأمان والاستقرار وسط العاصفة التى تجتاح منطقتنا. فإن مصر هى أول دولة أدركت خطورة التطرف الدينى وقامت بمحاربته، وأخيرا اقتنعت الولايات المتحدة بأحقية مصر وسداد موقفها. كما تزداد أهمية مصر فى دورها فى المساعدة على إعادة بناء «الدولة القومية» سواء فى سوريا أو ليبيا. وتتراجع أمريكا اليوم عن إعادة ترسيم المنطقة وتيقن أن الدولة القومية هى التى حافظت على الاستقرار والتعايش فى المنطقة طوال المائة سنة الماضية وأن تفتيت الدولة القومية ليست فى مصلحة أحد.

ولا يغيب عنا الدور المحورى لمصر فى تطوير وإعادة صياغة الخطاب الدينى، وهو ما لا تستطيع أية دولة أخرى القيام به. وأصبح هذا الدور لا مناص منه على الصعيدين الإقليمى والدولى.

ومن هذا المنطلق يمكن لمصر إعادة ترتيب أوراقها وفقا للتغييرات المتوقعة فى سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة. فقد تتداخل المصالح الوطنية المصرية والأمريكية، ولكن ليس بالضرورة أن تكون متطابقة، بما يمكن الدولتين من إقامة تعاون مثمر وشراكة فيما بينهما تقوم بصفة أساسية على تبادل المنفعة واحترام كل منهما للآخر.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات