لماذا يتعين علينا أن نبدأ بقبول الرأى الآخر؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يتعين علينا أن نبدأ بقبول الرأى الآخر؟

نشر فى : الإثنين 28 سبتمبر 2015 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 سبتمبر 2015 - 8:40 ص

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى للحرية التى تعنى فى الجوهر 1) إقرار حق الفرد فى الاختيار فى جميع مجالات وجوده الخاص والعام رأيا وفكرا وعقيدة ودينا وتعبيرا وفعلا، و2) اعترافه بحق الآخرين فى الاختيار دون تمييز، و3) التزامه هو وغيره بشرطى السلمية واحترام القوانين المنظمة للحياة فى المجتمعات الصغيرة والكبيرة.

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى لصون كرامة البشر والامتناع عن تهديدها ــ ومن ثم وبالتبعية التورط فى جرائم تمييزية، عندما ترتب ممارسة الفرد لحقه فى الاختيار إما ابتعاده عن دوائر «الأغلبيات» وآرائها وأفكارها وعقائدها المستقرة وأفعالها المقبولة أو خروجه الكامل عليها. فتحدى صون الكرامة الإنسانية هو، وقبل أى فرعيات أو أمور جزئية، هو تحدى صونها لأصحاب الرأى الآخر والانتصار لها دون انتقاص.

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى للتسامح الفردى والجماعى مع أصحاب الآراء والأفكار والعقائد والأديان الأخرى، وكذلك مع أصحاب التصورات المتنوعة بشأن غايات مجتمعاتنا «النهائية» (العلم / العقل / العدل / الحرية / المساواة / التقدم / السعادة) والطرق «الأمثل» لبلوغها. بهذه المضامين، يؤسس التسامح لمناهضة التمييز عند الاختلاف الحاضر دوما فى المجتمعات صغيرها وكبيرها، ويلزم بإدارته والصراعات الناجمة عنه سلميا، ويحرر من التطرف المستند إلى إنكار الآخر ثم المتورط إزاءه بعبثية فى صراعات إلغاء وحروب نفى الوجود.

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى لإقرار مفهومى التعددية والمنافسة كدافعين ومحركين لمجتمعاتنا وهى تبحث عن غاياتها «النهائية» والطرق «الأمثل» لبلوغها. فإنكار وإلغاء الرأى الآخر ليس له إلا أن يعنى تغييب التعددية وفرض الأحادية على الناس فى جميع مجالات وجودهم الخاصة والعامة (مسرحية الفرافير ليوسف إدريس، ورواية 1984 لجورج أورويل)، ويفقد مفهوم المنافسة المعنى حين نختزل مجتمعاتنا إلى كيانات الرأى الواحد والفكرة الواحد والعقيدة الواحدة والدين الواحد – فعندها، من سيتنافس مع من وعلى من لماذا؟

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى لرفض ادعاءات احتكار الحقيقة المطلقة التى ينتجها بضجيج المستبدين والسلطويين من الحكام وخدمتهم، وسرعان ما يلحق بهم فى إنتاجها صناع التطرف زيفا باسم دين أو طائفة أو مذهب أو عرق أو عنصر أو وطن. فقبول الرأى الآخر الذى يعمل المستبدون والسلطويون والمتطرفون على استئصاله ويهددون بالقمع والعقاب من ينصتون إليه أو يتضامنون مع أصحابه، من جهة يحرر الناس من سطوة مثل هذه الادعاءات الزائفة ويكشف أمامهم غياب مصداقيتها وإفكها وجهلها، كما أنه يمكن الناس من جهة أخرى من مقاومة التداعيات الكارثية للاستبداد وللسلطوية وللتطرف والعمل على تخليص مجتمعاتنا من شرورها – من المظالم والانتهاكات والاضطهاد والتمييز وصولا إلى العنف والحروب وجرائم التهجير والتصفية والإبادة.

لأنه يمثل الأساس المعرفى والأخلاقى والإنسانى لتفوق الفكرة الديمقراطية – وكذلك القيم المرتبطة بها عضويا كالحق والعدل والحرية والمساواة ــ على كل ما عداها من أفكار وتصورات بشأن وجودنا البشرى وحياتنا فى مجتمعاتنا. لا يملك الديمقراطيون دلائل قاطعة على كون فكرتهم هى الوحيدة القادرة على تحقيق غاياتنا النهائية، ولا يستطيعون ــ إن تعويلا على التاريخ القديم والحديث أو انطلاقا من الجغرافيا المتنوعة للديمقراطية اليوم – الزعم بانتصار نهائى لفكرتهم على الاستبداد والسلطوية والتطرف كمنظومات مناوئة لها. فى جعبة الديمقراطيين مكون وحيد للدفع بتفوق فكرتهم، قبول الرأى الآخر والاعتراف بشرعية وجوده والدفاع عن حق دعاته فى البقاء والانتصار لصون كرامتهم الإنسانية وحرياتهم وحمايتهم من المظالم والانتهاكات والاستئصال – دون حديث عن اختلاف لأن ذلك من طبائع الأفراد ومجتمعاتهم غير القابلة للتغيير أو الاختزال.

هنا مكون التفوق الوحيد للفكرة الديمقراطية، وهنا سبب شقاء أصحابها فى بلاد العرب التى يتقلب على التحكم بمصائرها مستبدون وسلطويون ومتطرفون.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات