«شيخ جاكسون».. عن الهروب من الحياة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«شيخ جاكسون».. عن الهروب من الحياة

نشر فى : الخميس 28 سبتمبر 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 28 سبتمبر 2017 - 9:15 م
يمكنك أن تنظر إلى فيلم «شيخ جاكسون» الذى أخرجه عمرو سلامة، واشترك فى كتابته مع عمر خالد من أكثر من زاوية كلها تصب فى خانة رفض الهروب من الحياة؛ الفيلم الذى أعتبره أفضل أفلام مخرجه حتى الآن على كل المستويات، يقدم ببراعة دراسة نفسية لشاب يترجم تناقضات جيل بأكمله، ويعيش حيرة قاسية بين ما يريد، وبين ما تدفعه إليه ظروف حياته ومجتمعه، ولا يحل مشكلته إلا عندما يصبح هو نفسه، وإلا عندما يتحرر من الخوف، ويستعيد الثقة فى قدرته على الفعل.
أبرز ما يميز عمرو سلامة هو أن أبطاله مختلفون، وبسبب هذا الاختلاف فإنهم يعانون من المحيط الذى يعيشون فيه، وخالد (أحمد الفيشاوى فى أحد أفضل أدواره) بطل «الشيخ جاكسون» ليس استثناء من ذلك، كان يمكن أن يؤدى قهر الأب (ماجد الكدوانى فى دور مميز وجيد) له إلى استسلام وخضوع كامل، ولكن خالد ينتهز الفرصة لكى يذهب إلى عمه المتدين (محمود البزاوى)، يترك خالد عالم جاكسون وأغنياته، ليصبح شيخا يسجل تمثيليات وأغنيات التخويف من عذاب القبر!
يتجاوز حب خالد لجاكسون فكرة الشغف بِمغنٍ شهير، ليصبح تعبيرا عن الحياة بكل صخبها، وبكل حيويتها، وليصبح أيضا تعبيرا عن حق الاختيار، بينما يتجاوز تدين الشيخ جاكسون فكرة التشدد، ليصبح تعبيرا عن الموت وثقافته، وترجمة للانغلاق وسط جماعة تفصل نفسها عن محيطها حتى فى الملابس والهيئة، ولكن الماضى ممثلا فى أغنيات جاكسون ما زال حيا، وما زال يظهر فى أحلام خالد وكوابيسه، ومع موت مايكل جاكسون، تزيد أزمة الشيخ جاكسون النفسية، ليجد نفسه أخيرا فى العيادة النفسية، يشكو من مخاوف غريبة من انتكاس إيمانه، ومن عدم قدرته على البكاء.
يقدم السيناريو الذكى حكاية خالد منتقلا ببراعة بين الماضى والحاضر، وبين الواقع والكابوس، وتدريجيا نكتشف أن هروبه من الحياة لن يحل المشكلة، وأن زوجة (تلعب دورها أمينة خليل)، وطفلة صغيرة أنجبها، لم يعالجا علاقة مضطربة مع أب قاس يعاير ابنه بضعف شخصيته، وبحبه لمغنٍّ أمريكى مخنث، ولم يعالجا جرحا عميقا باقيا داخل خالد هو فقدانه لأمه (درة)، وفشله فى قهر مخاوفه من الأب.
ظهور جاكسون حتى أثناء الصلاة، وظهور خوف جديد هو الخوف من القبر، وحادث سيارة، مع الشعور العميق بالذنب، كل ذلك يجعل من الضرورى أن يواجه خالد نفسه، وأن يواجه كرتونة قديمة وضع فيها ماضيه، ومن خلال هذه المواجهة، وبمعاونة طبيبة نفسية (بسمة)، يحدث التنوير الذى يقود إلى نهاية الطريق، لا ينتهى الفيلم إلى شفاء تام، ولا إلى دمعة تسقط من عينى خالد انتظرها وانتظرناها طويلا، ولكنه ينتهى إلى رقصة العودة إلى جاكسون، إلى الحياة، ولو بجلباب أبيض ولحية.
ربما لم تعمق بشكل كافٍ علاقة خالد بزوجته، التى يبدو أنه يحبها أيضا، وربما تبدو النهاية كاريكاتورية نوعا ما، وقد يراها البعض حلا تلفيقيا مضحكا، ولكن منطق الحكاية يحتمل أن نراها بصورة أكثر عمقا، فما كان فيه خالد ليس تدينا نابعا من الفهم، بقدر ما كان محاولة فاشلة للهروب من عقده ومخاوفه، وما كان جاكسون بالنسبة إليه مجرد «مُغنى» رائع، ولكنه كان تعبيرا عن حبه للحياة، وعن استقلاله واختلافه.
ومجرد مواجهة خالد لنفسه، واستعادته لاسمه وهويته، هو البداية لحياة جديدة، قد لا تخلو أيضا من التناقض، ولكنه الآن فى موقف أكثر وعيا وقدرة على اتخاذ القرار، فإذا أضفنا إلى عمق الفكرة، جسارة طرحها والتعبير عنها، واقتراب عناصر العمل الفنية من التكامل، وتماسك السرد رغم انتقالاته الزمكانية، ونجاح الفيلم بالأساس فى رسم بورتريه لشخصية تكاد تتمزق من الانقسام، فإننا يمكن أن نتحدث بكل ثقة عن فيلم كبير وخطير، من أفضل وأهم ما قدمت السينما المصرية فى السنوات الأخيرة.
هذا فيلم عن تناقضات مجتمع وجيل، وليس عن تناقضات فرد فحسب، عن الحياة كسؤال أيضا وليست كإجابة فحسب، عن الإنسان كمشاعر وعواطف وأفكار، وليس كمجرد آلة لحساب الذنوب والحسنات.

 

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات