غياب العقل فى الدولة المصرية - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غياب العقل فى الدولة المصرية

نشر فى : الإثنين 28 أكتوبر 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 أكتوبر 2013 - 9:04 ص

لا يملك المتابع لأحوال السياسة فى مصر إلا وأن يدهش لما يراه من علامات على غياب العقل فى الكثير من أوضاعها، يشعر بأن ما يبدو بديهيا لا يؤخذ فى الاعتبار، وأن ما استقر عليه الفكر الإنسانى فى بعض المجالات يجرى تجاهله دون أسباب واضحة، وأن دروس التجارب الماضية، والتى يفترض أن يتعلم منها الجميع، قد جرى تناسيها، ينطبق ذلك على كل الفاعلين السياسيين، فى الحكومة والمعارضة، كما ينطبق بدرجة كبيرة على الإعلام القريب من الحكومة، والخاص حزبيا كان أو ما يوصف بالمستقل.

وخطورة هذه الملاحظة ليست فقط انتشار الحيرة بين المواطنين فى مجالات الحياة المختلفة، ولكن سخطهم على الساسة والسياسة، وانصرافهم عن متابعة الشأن العام، وشعورهم باليأس أن تخرج مصر من أزماتها الحالية، وأن تستعيد قدرا من الاستقرار والأمن اللازمين للتصدى لقضايا الفقر والبطالة وتدهور مكانتها على الصعيدين الإقليمى والدولى.

ولنبدأ بالدولة. ولننح جانبا وصف الحكومة بالأيدى المرتعشة، وترددها فى اتخاذ القرارات. فلاشك أننا لم نتعود بعد كيف يكون اتخاذ القرار فى مجتمع ديمقراطى. يشعر القارئ للصحف وأجهزة الإعلام التى تطلق هذه الأوصاف على الحكومة بأن ثمة حنين لعصر الاستبداد عندما كانت قرارات تتخذ استجابة لرغبات الزعيم القائد الذى يحتكر الحكمة والمعرفة، والذى لا راد لإرادته. أن تكون هناك خلافات داخل الحكومة حول أمور مهمة، فهذا لا يستدعى السخط، بل يقتضى الترحيب أن الحكومة تستمع لوجهات نظر متعددة داخلها، وأن وجهات النظر هذه سوف تنعكس فيما تتخذه الحكومة من قرارات بحيث تكون محصلة للنقاش الذى دار بين أعضائها، وليس مجرد ترجمة لرغبة رئيسها أو أحد الوزراء الأقوياء فيها.

•••

ولكن الذى يدعو للدهشة أن تقدم الحكومة على مجرد التفكير فى أمر يفوق طاقتها أو طاقة الوزارات التابعة لها. خذ على سبيل المثال مناقشة القانون الخاص بتنظيم الحق فى التظاهر. ولنتصور على سبيل الجدل أن مثل هذا القانون، والذى يطرح مشروعه الآن للنقاش العام، قد صدر بالفعل، وعلى النحو الذى تريده وزارة الداخلية، قانونا متشددا يعطى الوزارة سلطة الاعتراض على أى مظاهرة ترى فيها تهديدا للأمن العام، فهل تقدر وزارة الداخلية بالفعل على وقف المظاهرات التى يقوم بها أنصار جماعة الإخوان المسلمين فى الكثير من محافظات مصر، وهذا هو المقصود من مثل هذا المشروع؟، وكيف ستوقف مثل هذه المظاهرات، وقد رأينا فى الأسابيع الماضية كيف أدى تعامل الشرطة مع هذه المظاهرات إلى وقوع قتلى نتيجة استخدام مفرط من رجال الشرطة لما لديهم من سلاح. نحن نعرف جيدا أن الشرطة فى مصر لم تتعود بعد على أساليب التعامل مع الحشود الجماهيرية على نحو ما تفعل الشرطة فى الدول ذات التقاليد الديمقراطية العريقة. وأعطى هذا الأسلوب فى التعامل مع المظاهرات، وآخرها كان فى الدقى، مادة ثرية للإخوان لتشويه صورة الحكومة فى الخارج والداخل بل وأكسب الجماعة قدرا من التعاطف بين مواطنين غير مسيسين. والسؤال الآن بغض النظر عن نصوص مشروع القانون، هل هذا هو الوقت المناسب لطرح هذا المشروع؟، وهل تملك الشرطة القدرة على تنفيذه بحكمة، أم أنه سيكون غير فعال لافتقاد جهاز الشرطة العدد والمعدات اللازمة لمواجهة مظاهرات عارمة محتملة فى الكثير من محافظات مصر، أو أنه سيستخدم أسلوبه المعهود منذ العصر الملكى والذى يكسب الحكومة سخطا فى الداخل وصورة سيئة فى الخارج.

•••

وفى هذا السياق يحتار المتابعون للشأن العام فى مصر من إصرار الحكومة على تقديم الرئيس السابق للمحاكمة خلال أسابيع. هى لم تشأ وقف مظاهرات الإخوان، ولا تعرف كيف تتعامل مع ما يقوم به طلبة الإخوان من احتجاجات فى الجامعات. هل فى هذه الظروف من الاحتقان يكون من المناسب تقديم الرئيس السابق للمحاكمة، وهل ستنجح معه فيما فشلت فيه فى إقناع قادة الجماعة التى ينتمى إليها للحضور للمحاكمة منذ أسابيع قلائل؟. ألن يؤدى ذلك إلى تصعيد لاحتجاجات الإخوان فى الداخل والخارج، وهو ما وعدوا بل وأمروا أتباعهم به بالفعل وفقا للتقارير الصحفية؟. أليس الإسراع بهذه المحاكمات فى هذه الظروف بمثابة سكب الزيت على النار؟. ربما يتصور الذين وافقوا على هذا القرار أن محاكمة الرئيس المعزول لن تثير من الاحتجاجات أكثر مما أثارته محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهذا قياس خاطئ. لم ينقسم المواطنون عند تخلى مبارك عن سلطاته مثلما انقسموا عندما أطيح بحكم محمد مرسى، ولم يكن مبارك يستند إلى تنظيم قوى صمد فى وجه القمع عقودا عديدة مثل تنظيم الإخوان المسلمين. ولم يكن أتباع مبارك يستخدمون الدين الذى يملك وجدان المصريين مثل الإخوان المسلمين الذين لا يزالون يصورون معركتهم مع الحكومة على أنها دفاع عن الإسلام. هل ستخدم محاكمة قادة الإخوان المسلمين الحاجة لاستعادة الأمن والاستقرار الاجتماعى فى مصر؟ وهل ستسهل استعادة قدر من الانتعاش الاقتصادى الذى خصصت الحكومة قرابة ثلاثة وعشرين مليار جنيه كحزمة تحفيز لتحقيقه؟ وما هو الضرر فيما لو قررت الحكومة تأجيل محاكمة قادة الإخوان المسلمين إلى حين وجود حكومة جديدة تنبثق عن انتخابات حرة ونزيهة لا يملك أحد أن يشكك فى عدالة محاكمات تجرى فى ظلها؟.

وليست الحكومة وحدها هى التى تفتقد الحكمة فى تناولها لأمور هامة. هذا هو حالنا مع القوى السياسية الأخرى خارج الحكم. ما زال قادة الإخوان المسلمين يرفضون الاعتراف بأن ما جرى لهم منذ يونيو 2013 كان رفضا شعبيا عارما لسياساتهم وأسلوبهم فى حكم البلاد. وما زالوا يرفعون مطالب بعودة الرئيس السابق ولو عودة شكلية واستعادة مؤسساتهم ودستورهم فى تجاهل تام لأن هذا الماضى لن يعود لأنه مرفوض من قطاعات واسعة من المواطنين أكدته استطلاعات رأى أجنبية ومصرية قبل الإطاحة بحكم مرسى، وتسلم به الحكومات الأجنبية التى يتصورون أنها ستمارس ضغوطا على الحكومة المصرية لإعادتهم إلى الحكم. هل يجرأون على طرح تصورهم لكيفية حكم مرسى للبلاد إذا كانت أجهزة الشرطة والقوات المسلحة والقضاء والإعلام وجانب كبير من المواطنين لا يريدون عودته، ليس اعتراضا على الإسلام الذى يدعى الدفاع عنه ولكن بسبب عدم كفاءته المطلقة فى حكم مصر؟ ألا يدرى قادة الإخوان المسلمين أن فرصتهم الوحيدة فى استعادة تأييد قطاعات واسعة من المصريين هو اعترافهم أولا بما ارتكبوه من أخطاء فى حكم مصر، وبرهنتهم على أنهم تعلموا الدرس، وأصبحوا أكثر تواضعا فى التعامل مع المواطنين والقوى السياسية الأخرى.

•••

ولعل القارئ لا يحتاج منى تفصيلا لغياب العقل لدى قيادات ما يسمى بالقوى المدنية كلها التى لا يبدو أنها قد أعدت العدة لانتخابات برلمانية وشيكة لا تعرف كيف تخوضها وهى لا تطرح حتى فكرة بناء جسور تواصلها مع المواطنين، ولا غياب العقل فى إعلامنا الذى فقد مصداقيته بتخليه عن ضرورة طرحه لرسالة إعلامية نزيهة ومتوازنة تحترم أذهان متلقيها.

المسئولية فى استعادة العقل فى حياتنا السياسية تقع على عاتق الدولة. هى التى يجب أن تطرح الرؤية التى تجمع أبناء الوطن حولها. ليس هذا فقط هو ما قاله فلاسفة أجلاء، ولكن ذلك أيضا هو درس التجربة.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات