الجانب المضيئ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 4:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجانب المضيئ

نشر فى : الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 - 9:35 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 - 9:35 ص

فى «المريض الإنجليزى»، لأنتونى منجيلا، الحائز على أوسكار أحسن فيلم عام 1996، موقف لا يغيب عن البال: بطل الفيلم، بأداء صاحب الجسم النحيل، رالف فاينس، يرقد على سرير فى مستشفى، بعد اشتعال النيران فى جسده عقب سقوط طائرته، إبان الحرب العالمية الثانية. وجهه مشوه تماما. ذاكرته علاها ضباب كثيف. الممرضة الكندية، الممسكة بدفتر بيانات، تسأله عن جنسيته.. بصوت متقطع بفعل الوهن، يجيبها: يا ابنتى، أنا رجل محترق.. الممرضة، رقيقة، حنون، تومئ برأسها، من دون استنكار أو دهشة، ذلك أنها، بروحها الإنسانية الرحبة، تدرك أن المريض، لا يصنف إلا كمريض، لا فرق بين بريطانى وألمانى أو فرنسى وإيطالى.

ذكرنى هذا المشهد بمقالة بديعة، كتبها مفكرنا الكبير، زكى نجيب محمود، «1905 ــ 1993»، وهو فى قمة احتكامه للعقل، إبان سنواته الأخيرة، تتضمن تعليقا وإشادة.. التعليق بشأن بتر كف أو يد السارق، وهو العقاب الذى رفضه الأستاذ رفضا باتا.. الإشادة، مهداة إلى الأطباء السعوديين، الذين استنكروا طلب السلطات لهم، بالقيام بتنفيذ هذا الحكم، وأصدر الأطباء بيانا شجاعا، محترما، جاء فيه أن مهنتهم هى «وصل الأطراف المبتورة، لا بتر الأطراف الموصولة».

لاحقا، انشرح صدرى، بحوار واحتجاج.. الحوار، جاء مع طبيبنا الملائكى العالمى، مجدى يعقوب، عندما سألته مذيعة: هل من الممكن أن تجرى جراحة لأحد الخصوم أو من الأعداء؟ بيقين، وابتسامة مضيئة أجاب: المريض عندى حالة، لا فارق فى الجنسية أو النوع أو اللون أو الديانة.

أما الاحتجاج، المترع بالنبل، ففيما يبدو أننى كنت أبحث عنه، وأتمناه من دون أن أنتبه، فمنذ أكثر من عام، باغتتنا الصحف بصورة مؤلمة، تهز الضمائر، لامرأة صغيرة السن، ترضع وليدها، وقد كبلت يدها اليمنى بسلسلة مربوطة الطرف فى شباك السرير.. كانت المرأة مقبوضا عليها، فى تظاهرة. ليس مهما إلى أى فصيل تنتمى، أو لماذا تظاهرت، المهم أنها انجبت وهى محبوسة، وتقوم بالإرضاع، فى وضع لا يمت للإنسانية بأدنى صلة.

أحيانا، يصبح الأمر غير المألوف، الشاذ، عاديا، مع توالى تكراره، وهذا ما كاد يحدث بشأن تقييد المحبوسين المرضى فى الأسرة.. فى الأسابيع الأخيرة، طالعتنا الصحف، مدعومة بمقاطع فيديو، بواقعة تشبه حكايات فرانز كافكا الكئيبة: فلاح عجوز، جلده فوق عظمه، من إحدى القرى المنسية فى الصعيد، يرتدى أثمالا بالية، يسرد وقائع الاعتداء عليه، ونقله إلى مستشفى المنيا الجامعى.. وها هو، ممدد على سرير مهمل، ساقه اليمنى، الملفوفة بالشاش، تسربت لها بقعة دم قانية الحمرة، وثمة سلسلة طويلة، إحدى حلقاتها حول معصمه، والأخرى مربوطة فى القائم العرضى للسرير.

لم تمض عدة شهور على نشر الصورة المؤلمة للمواطن الغلبان، كامل صالح جاد الرب، إلا وظهرت صورة أخرى، لمواطن اسمه، محمد سلطان، نزيل مستشفى قصر العينى، يقال إنه ناشط سياسى، أو كان من المعتصمين فى رابعة، المهم، تدهورت حالته الصحية فى السجن، مما استلزم نقله إلى المستشفى، والأهم، أنه ممدد على الفراش قد انغرزت فى ذراعه الأيمن إبرة محلول طبى بينما الأيسر موصول بسلسلة تربط بسور السرير.

وسط هذه البانوراما المعتمة، تنفتح نوافذ الأمل، ممثلة فى نقابة الأطباء، التى أعلنت، بوضوح، احتجاجها القوى، ضد «ربط أى محتجز بالكلبشات أثناء تلقى العلاج»، وطالبت المستشفيات بإبلاغ النقابة فورا، حال تعرض أى مريض لتلك الممارسات المهينة، التى تتناقض مع حقوق المرضى.. هنا، نرى، ونحس، نسيم الأمل.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات