60 عاما على حرب 56 - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

60 عاما على حرب 56

نشر فى : الجمعة 28 أكتوبر 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أكتوبر 2016 - 9:20 م
يوم 29 أكتوبر، تمر ستون عاما على حرب السويس. المتأمل فى هذا الحدث من منظور الواقع الداخلى والإقليمى والعالمى، لابد وأن يتوقف عند استنتاجات عدة تؤكد أن «أزمة السويس» كانت إحدى نقاط التحول الكبرى فى القرن العشرين.

• صعد دور الرئيس عبدالناصر ليصبح مركز الحركة السياسية داخل مصر وفى العالم العربى وصعدت معه حركة القومية العربية وامتد الدور المصرى عربيا وأفريقيا وفى نطاق حركة عدم الانحياز. ويمكن رسم خط مستقيم بين هذا المتغير والوحدة مع سوريا عام 1958، ثم نشوب ما أطلق عليه «الحرب الباردة العربية» بين الدول التى رفعت شعارات قومية واشتراكية والملكيات التقليدية، وصولا إلى التدخل فى اليمن ثم حرب 67. وما لبث أن ظهر مقلدون لعبدالناصر (القذافى، صدام) شكلوا خصما من صورة الناصرية بوصفها حركة تحرر ووحدة وبناء.

• ترسخ وضع الصراع العربى – الإسرائيلى كمحور أساسى شغل استراتيجية مصر العسكرية واستنزف مواردها وشكل علاقاتها الخارجية. هنا أيضا يوجد خط مباشر مع سباق التسلح فى المنطقة ومحاولات بناء تحالف عربى يحافظ على الحد الأدنى من حقوق الشعب والأرض والماء، كما ساهم ذلك فى تشكيل منظومة العلاقات الخارجية المصرية سواء بالمواجهة مع الغرب (مثلا الولايات المتحدة، ألمانيا الغربية) والاقتراب من الاتحاد السوفيتى، وصولا إلى حرب 67 التى يرى بعض المؤرخين أن عبدالناصر أدارها من منظور تجربة 56 بمعنى تصور إمكانية تحقيق نصر سياسى بغض النظر عن النتائج العسكرية. وهنا نلاحظ المكتسبات التى حققتها إسرائيل من إطلاق برنامج نووى بدعم فرنسى ورفع مستويات التسليح من المصادر الغربية والتحول فى العلاقة مع واشنطن بحيث أصبح «أيزنهاور»« آخر رئيس أمريكى يجرؤ على مواجهة قادة تل أبيب.

• تم تأسيس معالم نظام حكم فى مصر فى قلبه الرئيس ومعه أعضاء مجلس قيادة الثورة. عبدالحكيم عامر تولى قيادة المؤسسة العسكرية ولعب دورا أساسيا فى إدارة الوحدة مع سوريا ثم فى حرب 67. وتم دفن التجربة الليبرالية وأحزابها وتوالت محاولات بناء تنظيم سياسى (هيئة التحرير، الاتحاد القومى، الاتحاد الاشتراكى) وإن ظلت أدوات السيطرة والرقابة والرأى الواحد هى أعمدة بقاء النظام. وولدت لغة جديدة للحكم والإدارة والخطاب العام لاتزال الكثير من معالمها معنا اليوم، كما توارت طبقات ونخب (مثلا الأجانب، القطاع الخاص) مع ظهور مؤسسات جديدة (القطاع العام وغيره). نموذج كامل من الحكم والإدارة ما لبث أن انكسر بعد حرب 67 ثم تفكك فى الحقبة الساداتية وإن كانت آثاره باقية.

• دوليا صعدت الولايات المتحدة لزعامة التحالف الغربى ودخلت الشرق الأوسط كقوة رئيسية مقابل أفول عصر الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية واتجاه لندن للانسحاب من «شرق السويس». وسقط جيل من الزعماء (ايدن فى بريطانيا والجمهورية الرابعة فى فرنسا) وظهر جيل جديد (ديجول فى فرنسا وماكميلان فى بريطانيا). واتجهت فرنسا إلى ألمانيا لبناء «السوق المشتركة» (اتفاقية روما عام 1957)، كما صنعت قنبلة نووية ثم انسحبت من الآليات العسكرية لحلف «الناتو». وبالمقابل تحركت بريطانيا فى الاتجاه العكسى بتأكيد تحالفها مع الولايات المتحدة والحرص على التماهى مع سياساتها. وبالتوزاى دخل الاتحاد السوفيتى إلى الشرق الأوسط بقوة وامتدت الحرب الباردة إلى المنطقة.

• قفز دور الأمم المتحدة إلى الإمام بتأثير حرب السويس، فقد استخدم قرار «الاتحاد من أجل السلام» فى تجاوز الفيتو البريطانى – الفرنسى فى مجلس الأمن، وأطلقت أول عملية لحفظ السلام عبر مقترح كندى، مع ملاحظة أن طلب مصر سحب هذه القوات وبالتالى التهديد بإغلاق المضايق – فيما بعد – ساهم فى اندلاع حرب 67.

***

نظرة على أوضاع العالم العربى والشرق الأوسط اليوم، لابد وأن تربط بين تجربة حرب 56 وما تلاها من تحولات عميقة وبالتالى تثير أسئلة حول نتائج السياسات الغربية القاصرة ومسارات الأحداث على مدى أكثر من نصف قرن.

ومن منظور مصرى – عربى لابد من طرح أسئلة حول أخطاء أساسية فى قراءة التاريخ واستخلاص الدروس، وتحديد الأهداف، ورسم الاستراتيجيات، وما إذا كانت المسارات البديلة قد بحثت بجدية قبل استبعادها. الرأى السائد هو أن مصر تحركت بآلية «رد الفعل»، وبالتالى حبست نفسها داخل صندوق أدى بالضرورة لهزيمة 67.

حرب 56 هى محور أساسى لفهم تاريخ مصر والعالم العربى. قصة تحتاج إلى تحليل ونقاش صريح وعميق. آثارها لاتزال معنا اليوم، مطلوب منا توثيقها وتحليلها والتأمل فيها. كنت أتصور أن تتذكر مصر هذا الحدث المحورى بشكل حضارى: ندوات علمية، أفلام تسجيلية، نشر وثائق تاريخية، إطلاق كتب جديدة عن الجوانب المختلفة للمعركة... إلخ. لعلنا نستدرك بعض هذه الواجبات فى الأشهر القادمة.
التعليقات