السطحية المحتفى بها - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السطحية المحتفى بها

نشر فى : الجمعة 28 نوفمبر 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الجمعة 28 نوفمبر 2014 - 8:20 ص

وكأن تغييب المعلومات والحقائق وفرض الصوت والرأى الواحد ليس بكافيين لإبعاد المواطن فى مصر عن المتابعة الواعية للشأن العام ولشل قدرته على ممارسة الاختيار الحر الرشيد (إن أتيحت له فرصته)، فيجهز الترويج المستمر للتعميمات الكاسحة وغير الموضوعية بشأن أحوال المجتمع والدولة والحكم والسلطة وللخوف من الآخر الغربى ولنظريات المؤامرة وللصور النمطية السلبية عن المختلفين مع التيار السائد وعن المغردين خارج السرب على القليل المتبقى من المعرفة والعلم والعقل والإبداع وينزع عن الكثير منا تقديس الكرامة الإنسانية واحترام الحقوق والحريات وقيم العدل والمساواة.

وحين يقبل على الاضطلاع بترويج التعميمات ومقولات الخوف مفكرون ومثقفون يتورطون فى منافسة إعلاميين موجهين من قبل مؤسسات وأجهزة السلطة التنفيذية، وحين يتسابق أكاديميون من حملة الشهادات العليا على صياغة نظريات المؤامرة الكونية وعلى تثبيت الصورة النمطية المجردة من الرشادة عن غرب يتآمر دوما علينا ــ وبغض النظر عن الالتقاء الواضح فى بعض المصالح الاستراتيجية الكبرى بين حكوماته وبين منظومة الحكم / السلطة فى مصر ــ وعلى تعميم الهوس والجنون فى المجال العام عبر تصنيف أصحاب الرأى الآخر كأعداء وإنزال عقاب التخوين والتشويه الجماعى بهم، وحين يفقد بالتبعية الإنتاج الفكرى والثقافى والأكاديمى موضوعيته ورصانته وقراءته النقدية ﻷحوال المجتمع والدولة والحكم والسلطة أو حين يحتفى بالسطحية «كواقعية تؤيدها معلومات مصدرها الوحيد مؤسسات وأجهزة الدولة»، وبالانعزال الحضارى «كخصوصية مصرية»، نصبح إزاء كارثة محققة تتجاوز تداعياتها السلبية الحاضر الذى يبرر به للسلطوية ويطغى به الأمنى على كل ما عداه وتغتال به السياسة إلى مستقبل سيصعب به تمكين القطاعات الفكرية والثقافية والأكاديمية وبالقطع وسائل الإعلام من التعافى السريع إن استعادنا مسار تحول ديمقراطى وسيادة قانون وعدالة انتقالية.

فكيف لمفكرين ولمثقفين وﻷكاديميين يروجون اليوم للتعميمات ولمقولات الخوف أن يسترجعوا ذاكرة المعرفة والعلم والعقل والإبداع والبحث الجاد عن المعلومة والحقيقة والتعبير الحر عن الرأى، إن تبدلت الأحوال مستقبلا وغابت التوجيهات القادمة من أعلى ولم يعد شرط النجاة من القمع والحصول على العوائد متعلقا بالانصياع لإرادة الحكم / السلطة؟ كيف لهم أن يديروا البوصلة ويغيروا الدفة باتجاه الحرية مستقبلا، وتوالى التوجيهات وتراكم لحظات الانصياع اليوم يرتبان تعطيل الضمير والعقل؟ ألا يستحيل على من يتقدم الصفوف لصياغة نظريات المؤامرة وصناعة الصور النمطية السلبية وتعميم الهوس والجنون مغادرة هذه الخانات الظلامية والتخلص من اعتياد التأييد الأحادى للحكم/ السلطة والسطحية والانعزال الحضارى وإعمال الضمير والعقل؟ ألا يستحيل نفسيا وذهنيا على من يجرم الحرية اليوم الحياة فى ظلها غدا، وعلى من يهمش المعرفة والعلم والعقل أن يكتشف دورهم الضرورى لصون الكرامة الإنسانية، وعلى من يريد إخضاع المواطن والمجتمع واختزال الدولة فى مؤسسات وأجهزة أن يدرك أن فقط المواطن الحر ومجتمع الحرية والسلم الأهلى والتسامح ودولة العدل وسيادة القانون والحقوق والحريات هم من يصنعون التقدم؟ لا، ليس لهم هذا ولن يقدرون عليه، وهنا ميزة إضافية أخرى لاستمرار وجود المختلفين مع التيار السائد والمغردين خارج السرب ولإصرارهم على عدم الانحناء أو التخاذل أو الانسحاب من الشأن العام.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات