تزكية الإنسان قلبا-أ - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان قلبا-أ

نشر فى : الجمعة 28 نوفمبر 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 ديسمبر 2014 - 8:54 ص

(1)

كل عضو فى جسم الإنسان له عنصران معنوى ومادى، فالمادى هو الشكل الظاهر وما يشمله من لحم ودم، أما المعنوى فهو تلك الوظائف العديدة التى يؤديها العضو. وقلب الإنسان مثل غالبية الأعضاء، فله عنصره المادى المتمثل فى الشكل الصنوبرى ويمارس عمل المضخة التى تضخ الدماء إلى سائر أعضاء الجسم، أما عنصره المعنوى، فالقلب هو مستقر المعتقد وما يتفرغ عليه من قيم وأخلاق.

وتزكية القلب تبدأ بإخلائه من الأمراض التى تسيطر عليه، فتصيبه الأمراض، وتتسلل أمراض القلب من خلال عادات يستسلم الإنسان لها، وأبرز العادات السيئة التى تكبل القلب وتجعله مغلقا هى عادة التلاهى والتغافل عما يحيط بالإنسان، فترى مثل هذا الإنسان من لا يتفكر فيما يتناوله من طعام وشراب، ولا ينصت لما يطرق سمعه من أقوال، ولا يعرف أسباب الهدوء والسكينة فيسعى إليها، ولا أسباب القلق فيتجنبها.. هكذا يعيش الإنسان لا يدرى ما حوله، فكلما انصرف الإنسان عما حوله انقطعت علاقاته بالدنيا. فإذا هو فى غفلة لا يعرف أن الله خلقه سيدا فاعلا، فلابد للإنسان السوى أن يحيط بما حوله ليحسن استخدامه واستثماره، ويحسن التعامل مع البشر من حوله وتراه يشهد بعينه من يموت، ولا يستعد للموت كأنه من جنس غير الجنس.

فيعيش لاهيا لا يعلم حقوق ربه عليه، حتى يأتيه الأجل فتذكره ملائكة الموت «لَقَدْ كُنْتَ فِى غَفْلَةٍ..» فيقولون «..يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ..». فليحرص الإنسان السوى على دوام اليقظة والحضور والتفاعل والبحث ليعرف رسالته ووظيفته فى الحياة فيؤديها ليعيش كريما جديرا بالاحترام.

(2)

وأخطر من الـ«غفلة» والـ«لهو» «لَاهِيَة قُلُوبُهُمْ..»، فإن الـ«زيغ» مرض لعين من أمراض القلب، يشتت صاحبه فترى قلبه تابعا لعينه، كلما لمحت شيئا اشتاق إليه وسعى لتملكه، سواء كان هذا الشىء ذا ضرورة وأهمية له أم لا. ولا يقدر توابع تملك تلك الأشياء. فانظر إلى القرآن يبصر الناس ويحذرهم «كلما زاغت أبصاركم» «لَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ..» فتراهم غير مستقرين على حال، وترى الواحد منهم دائم الإنشغال دون أن يحقق شيئا.

(3)

وكلما زاد زيغ القلب هلك صاحبه وتلاحقت أنفاسه وتكاثرت رغباته. وأمام كثرة المطالب تعجز قواه عن تحقيق ما يريد، ومع استمرار وتكرار زيغه ينظر إلى غيره من الناس الذين لم تزغ أبصارهم، ولم تزغ قلوبهم، فإذا المتخصص فى عمل يتقنه ويسعد، وإذا طالب العلم يهنأ ويرضى ويستقر، وإذا التاجر الصدوق يربح وينمو، بعكس حال ذلك الزائغ فهو لم يحقق شيئا فيتحول الزيغ إلى غيظ يأكل قلبه ويكاد يغلى دمه من عدم تحقيقه لشىء مثلما حقق الآخرون..

وهذا الغيظ شعلة من النار تهيج القلب فتراه يتمنى زوال نعمة الغير، وتراه يتمنى مصرع الآخرين، وينقلب التمنى إلى تفكير فى إيذاء الآخرين بيده أو يتسبب فى ذلك، أو يفرح شامتا فيما أصاب البعض، ولا يجد سرا لتلك الشرور إلا زيغ القلب. فاحذر أن يزيغ قلبك فتتبع خصوصيات الناس وتنشغل بهم. فمن انشغل بالناس هلك وأهلك من حوله.

(4)

من أخطر ما يصيب القلب مرض الـ«رعب». والرعب ليس مجرد الخوف، ولكنه «الخوف من لا شىء»، «الخوف من المجهول دون معرفة حجمه». فزائغ البصر تراه لا يحدد حجم الأشياء ولا قدرتها، فيتصور أصوات الريح جيش عدو، وربما يسمع خرير الماء فيتخيل أن عفاريت الجن كادت تحيط به. فالرعب مرض قاتل يقتل صاحبه بغير سكين، ويفقده المقاومة فتراه من الرعب كالمغشى عليه من الموت. فإذا أراد الإنسان تزكية قلبه فليبدأ باستئصال اللهو وليحرص على الجد، كما يهجر التغافل ويحرص على اليقظة والفهم، كما يحرص على تحديد وجهته فى الدنيا حتى لا تتوزعه الأهواء والأمانى. كذلك لابد أن يتخلص الإنسان من الغيظ الذى يحرق ويدمر، بل يستدرج الغيظ صاحبه إلى الرعب مما لا يعرف.

..يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات