العنف.. والعنف المضاد - سمير كرم - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف.. والعنف المضاد

نشر فى : الأربعاء 28 ديسمبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 ديسمبر 2011 - 9:20 ص

هناك تسليم مؤكد من الجميع الآن ــ بعد انقضاء ما يقرب من عام على ثورة 25 يناير ــ بأن الثورة التى انطلقت فى ذلك اليوم تواجه الآن ثورة مضادة.

 

ولا يمكن الحديث عن الفلول وعن الأيدى الخفية سواء كانت محلية أو خارجية دون إدراك أنها جميعا تنتمى إلى الثورة المضادة. وكثيرون منا ــ وأقر بأننى واحد منهم ــ نؤمن بأن الثورة لم تقل كلمتها الأخيرة ولم تفعل فعلها الثورى الأخير بعد التطورات المضادة لها التى جرت على ساحة مصر وبالأخص فى الميدان والشوارع المتفرعة عنه. ولكن علينا أن ندرك ــ بالمثل ــ أن الثورة المضادة لم تقل كلمتها الأخيرة ولم ترتكب فعلها الأخير بالمثل.

 

موجز القول أن مصر مرشحة لأحداث وأحداث تعكس أقوال وأفعال الثورة والثورة المضادة خلال الفترة المقبلة التى لا نستطيع أن نجزم بشىء بشأن المدة التى يمكن أن تستغرقها.

 

ولكى لا نتوه بعيدا عن الحقائق الملموسة المؤكدة فإننا ينبغى أن نرد الثورة إلى أيامها الأولى التى أنجزت إسقاط مبارك وأركان الفساد التى حكم بواسطتها معظم سنواته الثلاثين فى الحكم، وينبغى فى الوقت نفسه أن نرد الثورة المضادة إلى تحركاتها الأولى. وتلك كانت متمثلة فى «موقعة الجمل» كما اصطلح على تسميتها. من وقتها والمواجهة بين الثورة والثورة المضادة لم تتوقف. والواقع الذى لابد من التسليم به إن الثورة لم تستطع أن تنهى الثورة المضادة، بل إن الثورة المضادة استطاعت أن تحقق انتصارات ــ اتخذ بعضها شكل المشاركة فى السلطة وفى قراراتها ــ الأمر الذى أصاب الثورة بانتكاسات مؤكدة فى الميدان وفى الشارع.. وفى العقل والوجدان المصرى. ولن تستطيع الثورة أن تصحو من هذه الانتكاسات إلا من خلال القيام بمقاومة تتخذ السمات نفسها التى أدت إلى إجبار مبارك وأركان حكمه على التنحى. سمات القدرة الثورية الحقيقية المستمدة من التكتل والتكافل الجماهيرى فى أكثف صوره.

 

●●●

 

الآن نحن بصدد ظاهرة فى هذه المواجهة الصراعية، يطلق عليها أساتذة علم الاجتماع (أولئك الذين تخصصوا فى هذا الفرع من علم الاجتماع السياسى وعلم النفس الاجتماعى) نظرية الإحباط والعدوان باعتبارهما وجهين لظاهرة واحدة هى ظاهرة العنف. وهنا لا يمكن إنكار لجوء الثورة والثورة المضادة كلاهما إلى العنف نتيجة إصابة كل منهما بالإحباط. ولا يختلف هذا التفسير عن التفسير البسيط للسلوك الفردى الذى تظهر فيه بوضوح العلاقة بين الإحباط والعدوان، الثانى منهما يتبع الأول بصورة تلقائية، سواء كان هذا فى سلوك الأفراد او سلوك الجماعات.

 

وبطبيعة الحال فإنه لا يفيد فى فهم هذه الظاهرة أن ننكر أن كلا من الثورة والثورة المضادة تجد نفسها مضطرة إلى اللجوء للعنف. ولكن لا مفر فى الوقت نفسه من التمييز بين عنف ثورى وعنف مضاد. وإذا كنا لا نتوقع ان تعمد الثورة إلى التسليم بهزيمتها أمام الثورة المضادة فلابد أن نتوقع أن تواجه الثورة خصمها الثورة المضادة بعنف يتناسب مع سعيها لإنهاء الثورة المضادة وإجبارها على الانسحاب الكلى والنهائى فى المعركة بينهما.

 

أن باستطاعة الثورة أن تنزل إلى الميدان بكل قوتها مرة أخرى لتأكيد تمسكها بأهدافها وتمسكها ــ لهذا السبب ــ بإزاحة الثورة المضادة من طريقها لمدة الزمن المنظور على الأقل، إن لم يكن للنهاية. والمتوقع أن تستمر الثورة المضادة فى محاولاتها لاستخدام العنف. وهذا هو ما يجرى فعلا ولا يمكن أن تظهر نتيجة حاسمة له إلا إذا استطاعت الثورة أن تستأنف فعلها كما كان فى بداياتها الكثيفة القوية القادرة. ومن الآن حتى تستطيع الثورة أن تنهض من جديد وأن تتخلص من الإحباط فإن الثورة المضادة تستند فى ممارساتها المحدودة للعنف إلى وجود عناصرها بين صفوف السلطة. وهذه ميزة لا يمكن الاستهانة بها لأنها تنزع من الثورة قدرا من الشرعية التى اكتسبتها منذ أن خلعت مبارك وأركان حكمه.

 

لهذا سيتعين على الثورة ان تختار من الآن اذا كانت ستعود إلى الانطلاق من النقطة التى توقفت عندها ــ عن تحقيق أهدافها ــ وهى نقطة قوتها القصوى، نقطة الاعتماد على الجماهير بكل كثافة ممكنة، وهى النقطة التى أجبرت مبارك على التخلى عن الرئاسة وأجبرت المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تولى مسئولية الحكم. أى النقطة نفسها التى اعتبرت الثورة المضادة ان باستطاعتها اتخاذها نقطة انطلاق للتغلغل إلى السلطة.

 

وسواء اعتبرنا ان تولية كمال الجنزورى رئاسة الحكومة ــ التى أطلق عليها وصف حكومة الإنقاذ الوطنى ــ إيذانا بانتهاء الثورة وأفعالها وتقدمها نحو تحقيق الأهداف التى لم تتحقق لمجرد إزاحة مبارك، أو اعتبرنا أن الثورة المضادة استطاعت أن تتولى الحكم بإعادة أحد أركان النظام السابق على الثورة إلى منصب رئيس الحكومة، فإن من الواضح أن هذه الإجراءات انما ترمى إلى وقف دائرة العنف انتظارا لنتائج الانتخابات العامة لتقرر أنها النتائج التى لابد من اعتبارها محصلة الثورة وليست فقط محصلة الانتخابات.

 

وهنا تكمن المعضلة التى يبذل المجلس العسكرى أقصى جهوده للخروج منها عن طريق إقناع جماهير الشعب بأن الثورة خلعت مبارك وارتضت بنتائج هذه الانتخابات غاية أخيرة لها. وعندما تكتمل العملية الانتخابية وتبدو الصورة الكاملة لمجلس الشعب، وعندما يحل النزاع حول سلطات هذا المجلس وحدودها سيكون الوقت قد حان ليتضح إذا كانت الثورة لا تزال قائمة ومصممة على التقدم نحو أهدافها التى لم تنجز بعد.

 

فإذا ما برز بين نتائج النتائج ــ إذا جاز التعبير ــ نوع الإحباط نفسه الذى يتسبب فى اندلاع العنف فإنه سيتخذ شكل العنف بين التيارين الدينى والمدنى أو بين التيار الدينى والليبرالى. وعندئذ قد يجد المجلس العسكرى نفسه مرة اخرى فى موقف الحكم (بفتح الحاء والكاف) أو الحامى لنتائج الانتخابات. وقد يكون هناك من يقول من الآن إن هذا هو ما يسعى اليه المجلس العسكرى بسياساته وقراراته الحالية. لهذا فإن هذا الوقت الذى يتميز بانتظار عودة الثورة او التحول نحو قبول نتائج العملية السياسية (الانتخابية) سيكون الوقت الحرج الذى يصبح فيه العنف الناتج عن الإحباط مقبولا من الأطراف كافة.

 

لقد رحب المصريون على أوسع نطاق بسلمية ثورتهم واعتبروا هذه النزعة السلمية مصدر افتخار بحضارية السلوك المصرى ورقيه. لكن الأحداث التى وقعت منذ ظهور أفعال الثورة المضادة تنذر باحتمال التسليم بما لم نسلم به من قبل، وهو أن الثورة ــ خصوصا فى مواجهة مع ثورة مضادة لا يستهان بقوتها لا تستطيع أن تستمر وأن تتخطى الصعاب التى تضعها الثورة المضادة فى طريقها دون أن تبرهن على أن عنف الثورة المضادة لا يستطيع أن يوقف تقدم الثورة نحو أهدافها الأساسية.

 

●●●

 

لقد استطاعت الثورة المصرية فى أقصى درجات كثافتها أن تبرهن على أن سلميتها اقوى كثيرا من عدوانية الثورة المضادة. وإذا كانت نظريات علم الاجتماع تذهب إلى ان العنف يصبح مقبولا من قبل الطرفين عندما يستعصى الحل بدون العنف، فإن الثورة المصرية يمكن أن تبرهن على أنها تستطيع بقوتها الجماهيرية الكثيفة أن تبرهن على قدرتها على إلغاء دور العنف. وهى ــ الثورة ــ تصنع تاريخا إذا ألغت دور العنف، وتجبر العلماء على أن يغيروا نظرياتهم عن العلاقة الحتمية بين الإحباط والعدوان أى بين الإحباط والعنف. وهى حين تستأنف دورها العظيم فى حياة مصر السياسية ستكون قد كسبت خبرة بحدود ما تستطيعه الثورة المضادة وما لا تستطيعه. فلا يعود بإمكان الثورة المضادة ان تصيب الثورة بالإحباط، المنتج الأول للعنف. مطلوب ــ إذاً ــ من الثورة ان تلغى الإحباط من تفاعلاتها بأن تعود فى أقوى وأكثف قدراتها. ذلك أن الثورة المضادة تمكنت من التحالف مع حامى الثورة فى أكثر من معركة.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات