عمران وكيم فوك - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمران وكيم فوك

نشر فى : الأربعاء 28 ديسمبر 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 ديسمبر 2016 - 10:00 م

صورتان أبرزتهما صحف نهاية العام، الأولى للطفل عمران دقنيش أحد ضحايا مذبحة حلب. والثانية لفتاة النابالم كيم فوك التى كانت ضمن ضحايا العدوان الأمريكى على فيتام. منظر عمران الذى غرق وجهة فى الدماء فى حين جلس ذاهلا وفاقدا للنطق فى عربة إسعاف بعد إخراجه من تحت أنقاض منزله الذى دمر تم استعادته ورشح ليكون صورة العام. أما كيم فوك فإن قصتها لاتزال شاغلة للأذهان رغم مضى أكثر من أربعين عاما على الجريمة التى ارتكبت بحقها عام 1972. ذلك أنها بعدما أجرت 17 عملية سمحت لها بالعودة إلى الحياة، فإنها ظلت تعانى من الآلام المبرحة التى لم تتخلص منها، حتى بدأت أخيرا علاجا بالليزر فى ميامى، وعدت بأنه سينهى معاناتها.
صورة كيم الباكية وهى تركض عارية تماما بعدما أهلكت النابالم ثيابها وأحرقت جلدها روعت العالم آنذاك اعتبرت عملا أسهم فى تشكيل التاريخ، وفاز صاحبها المصور نيك أوت بعديد من الجوائز الدولية. ورغم أن الفتاة هاجرت إلى كندا وتزوجت وأصبحت أما لولدين إلا أنها مازالت تحظى بالاهتمام فى العالم الغربى، إذ بعدما أنشئت مؤسسة باسمها لمعالجة ضحايا الحروب، فإنها عينت سفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو فى عام 1979 وكانت قد زارت الولايات المتحدة فى العام الذى سبقه واستقبلت هناك بحفاوة كبيرة. والتقت هناك الطيار الأمريكى الذى قصف بلدتها «تراج بانج»، (اسمه جون بلامار) وقد اعتذر لها وطلب منها أن تسامحه، فردت أنها ما زالت تعانى من آثار النابالم لكن قلبها صار صافيا.
النابالم الذى فجر غضب العالم وجعل الصورة تسهم فى إنهاء حرب فيتنام فى السبعينيات، صار يعبأ فى براميل تلقى يوما بعد يوم على العديد من المدن السورية. أما صورة كيم فوك فقد غدت محفورة فى الذاكرة الغربية وحية لدى مؤسسات الضمير وحقوق الإنسان فى العالم الخارجى.
إذا جاز لنا أن نتخير صورة للعام الحالى فسوف يحيرنا كم الصور المروعة التى تستحق كل واحدة منها أن تعلق على جدار العام فاضحة أهوال الجحيم الذى يعانى منه السوريون منذ خمس سنوات، وفاضحة بنفس القدر وحشية نظام دمشق وحلفائه، وفداحة جريمة الصمت الذى قابل كل ذلك.
أمثال عمران دقنيش كثيرون، بعضهم صار أشلاء تحت الركام وبعضهم أفقده الهول الذاكرة والقدرة على النطق. وهناك آخرون فقدوا حياتهم تحت الأنقاض أو فى أعماق البحار. وصورة الطفل إيلان الكردى ابن الأعوام الثلاثة الذى ألقت الأمواج جثته على الشواطئ الليبية رمز لهؤلاء. وكلنا نذكر كيف تناقلت وسائل الإعلام صورته المفجعة والصادمة فى العام الماضى، لكن بشاعة الصورة لم تحرك شيئا فى العالم المحيط.
منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة أعلنت فى الأسبوع الماضى أن ضحايا الحرب السورية يتراوحون بين ٤ وثمانية ملايين طفل، وأن 80% من الأطفال السوريين تأثروا بسبب الحرب بدرجة أو أخرى. وهى أرقام لو كانت عن حيوانات برية أو طيور معرضة للانقراض لأثارت عاصفة من التضامن واستنهضت همم عديد من الجهات المعنية بالتنوع والحفاظ على البيئة.
لم ينس أحد قصة كيم فوك طوال الأربعين سنة الماضية، لكن أرتال الأطفال السوريين الذين كانوا ضحايا النابالم فى حلب وداريا وريف دمشق لم تحرك شيئا فى العالم العربى أو الخارجى، ذلك أن إبادة البشر فى بلادنا صارت عرفا أمات الضمائر وشوهها ــ ترى كم عربيا ينبغى أن يباد حتى تتخلص أمتنا من الظلم الجاثم على صدورها؟

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.