هذا قدر غير مقبول - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأربعاء 17 أبريل 2024 12:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا قدر غير مقبول

نشر فى : الخميس 28 ديسمبر 2017 - 12:10 ص | آخر تحديث : الخميس 28 ديسمبر 2017 - 12:10 ص
ما عاد بالإمكان التحليل أو الاعتراض على الكثير مما يجرى فى أرض العرب بالتعابير غير المباشرة ولا بلغة المجاملة تجاه هذه الجهة أو تلك، بينما هى ترتكب الحماقات والأخطاء التى تضرُ بأمة العرب وتهدم ثوابتها القومية والإسلامية الكبرى.
فالذين يُنزلون مسئولية مواجهة الخطر الوجودى الصهيونى من رأس قائمة الأولويات إلى ذيلها، ويقومون بخطوات متسارعة نحو التطبيع مع الكيان دون أخذ موافقة صريحة وشرعية من قبل الشعوب التى يحكمونها، يجب أن يعرفوا بأن خيانة الأمانة سيكون لها ثمن باهظ إن عاجلا أو آجلا، وأن اتخاذ القرارات المصيرية الكبرى من قبل مجموعة صغيرة فى غرف مغلقة، بعيدا عن مراقبة الإعلام، وسلطات التشريع المستقل، والمؤسسات الشعبية المدنية ينسف الأسس التى قامت عليها شرعية الحكم، أيا يكون نوعها.
والذين يغمغمون ببضعة تعابير مستهلكة خجولة مخادعة فى وجه قرار مجنون حقير تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ثابت تاريخى ــ دينى ــ قومى ــ شعبى، كموضوع مدينة القدس، هم أناس لا يؤتمنون على المحافظة على استقلال وحرية وكرامة الأوطان. ولن يفيد هؤلاء الخطابات العابثة الاستزلامية المدفوعة الثمن من قبل هذا الإعلامى أو ذاك أو من قبل هذا العالم الدينى أو ذاك أو من قبل وسائل التواصل الاجتماعى التى ترعاها هذه الجهة الاستخباراتية أو تلك.
يستطيع هؤلاء وأولئك أن يلبسوا لباس التقدمية والعصرنة المظهرى، دون بالطبع المس بمصالح وغنائم وامتيازات الدولة العميقة المستترة، ولكن ذلك لن يساوى شيئا أمام التفريط بالالتزامات القومية العربية والإسلامية، وبالاستهزاء بمشاعر الملايين من المواطنين العرب، وباحتقار قيم العدالة والإنصاف تجاه شعب عربى منهك ومستباح ومظلوم ومشرد كالشعب العربى الفلسطينى. ولن يستطيع الصراع البليد المفتعل الطائفى بين هذا المذهب الإسلامى أو ذاك، والادعاء بأن هذا الموضوع التاريخى العقيم الذى مات كل أصحابه وناشريه، أن يكون أهم من مواجهة الطمع والخطر الصهيونى الهائل فى الحاضر أو أهم من التدخُلات والابتزازات الاستعمارية الأمريكية التى لا تنقطع ولا تخجل شاملة الماضى والحاضر، ومهددة للمستقبل.
***
هنا يجب أن نطرح السؤال الصريح المؤلم التالى: هل حقا أن كل تلك الممارسات السياسية والأمنية والاستخباراتية، المليئة بالمخاطر والجنون، هى المدخل لحل الخلافات المعقدة الكثيرة بين بعض العرب وبين بعض الدول الإسلامية؟ هنا أيضا، وكمثل فقط، دعنا نخاطب المسئولين العرب والإيرانيين: هل حقا أن دين الإسلام الجامع خلا من أية توجيهات أو قيم أو إمكانيات لحل المشاكل فيما بين الأمم الإسلامية، سواء إيران أو تركيا أو غيرهما؟ ثم أين دور منظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة العربية ومؤسسات إقليمية سياسية ودينية كثيرة أخرى؟ فهل خلقت تلك لإلقاء خطابات المجاملة وزيادة الفرقة؟ بل دعنا نواجه الحقيقية المرة، وهى أننا لا نرى إلا لاعبين اثنين فاعلين ومستفيدين فى حقل الصراع العربى الإيرانى المذهبى والسياسى المجنون: أمريكا والكيان الصهيونى. ومع الأسف فإنهما قد نجحا فى جعل ذلك الصراع الموضوع المهيمن والأثير فى الحياة العربية السياسية، والمسمم للأجواء عند جهات إيرانية داخلية تلعب بالنار وتعطى الفرصة للأغراب الحاقدين ليدمروا العلاقة التاريخية والدينية فيما العرب وإيران.
لا نصدق أن التفاهم الندى غير ممكن، وأن الحلول المتوازنة العاقلة المهتمة بمستقبل الإسلام والمسلمين أصبحت مستحيلة وعصية على حكومات العرب والمسلمين. فهل يراد لنا أن نصل إلى الاستنتاج المفجع التالى: وهو أن الطبيعة والثقافة السياسية العربية والإسلامية قد وصلت إلى حدود التقيح الأخلاقى والهوس النفسى الجنونى والانصياع المصدق لأكاذيب مجرمين كنتنياهو الصهيونى، ولانتهازية أمثال دونالد ترمب وكوشنر، والتزمت بعض مدارس الفقه الإسلامى المتخلفة؟
***
لقد طفح الكيل عند الشعوب العربية والإسلامية، إذ هم يرون أوطانهم لعبة مستباحة عند الأغراب الاستعماريين والصهاينة، وإذ هم يرون ثروات أوطانهم تبذًر فى شراء الأسلحة، وفى بناء إمبراطوريات أمنية مهووسة بالشكوك والأحقاد والانتقام، وفى استعمال حركات جهادية إسلامية مشبوهة فاجرة ضد هذه الدولة الشقيقة أو تلك بينما تتناقص مشاريع التنمية الإنسانية الشاملة وتبقى المجتمعات العربية والإسلامية تعيش فى جحيم التخلُف والفقر والفساد والاستبداد.
هنا أيضا يجب وضع المخرز فى عين مؤسسات المجتمعات المدنية فى طول وعرض وطن العرب وأوطان الإسلام. إن بقاءكم عاجزين ومتفرجين وأصحاب قلة حيلة وغير قادرين على تخطًى خلافاتكم الفكرية والإيديولوجية والدينية قد أصبح فضيحة يندى لها الجبين ويستهزأ بها العالم كله. فأحزابكم السياسية وجمعياتكم المهنية والحقوقية والمدنية وأصواتكم الخافتة المتصارعة تظهر أنكم غير قادرين على فهم وإدراك الأخطار الجسيمة التى تواجهها شعوبكم ولا على الالتزام بواجبات المواطنة المسئولة الحرة المتمسكة بكرامتها الإنسانية.
لا يجوز لمحاولة شعوب الأمة العربية التاريخية منذ بضع سنوات الانتفاض من أجل حريتها وكرامتها الإنسانية وبناء حياتها على أسس من العدالة والإنصاف والديموقراطية... لا يجوز لها أن تنتهى وتقبل بالتراجع الهائل والتدهور المفجع الذى وصلت إليه الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية فى لحظتنا الراهنة.
هذا قدر غير مقبول، لا بمقاييس الأرض ولا بمقاييس السماء.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات