«فوتوكوبى».. فكرة عظيمة ومشكلات أعظم! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«فوتوكوبى».. فكرة عظيمة ومشكلات أعظم!

نشر فى : الخميس 28 ديسمبر 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 28 ديسمبر 2017 - 9:40 م

أشعر بغضب كبير عندما تكون النتيجة أقل من الفكرة العظيمة، فى الأفلام الرديئة جدا كل شىء ردىء، ولا أمر يستحق الغضب، أما فى فيلم مثل «فوتوكوبى»، الذى كتبه هيثم دبور فى تجربته الأولى فى مجال الفيلم الروائى الطويل، وأخرجه تامر عشرى، فى تجربته الأولى أيضا كمخرج لفيلم روائى طويل، نحن أمام فكرة عظيمة وثرية، يمكن أن تصنع فيلما استثنائيا: اثنان تجاوزا سن الشباب، يهزمان العادى والمتكرر والمألوف والرتيب، ويكتشفان الحياة والحب، ويصنعان بداية، على الرغم مما قد يبدو أنهما قد وصلا إلى خط النهاية، ولكن ما شاهدناه كان أقل بكثير من الفكرة، فقد ظهرت بوضوح مشكلات فى الكتابة، وفى رسم الشخصيات، وكانت المشكلة الأكبر فى أداء الممثلين، وفى إدارة المخرج لهم، خسارة فعلا أن تكون المشكلات الكثيرة، وهى واضحة جدا، سببا فى تقديم الفكرة العظيمة، بهذه الدرجة من التواضع.
ينتمى الفيلم إلى نوعية صعبة، تتطلب خبرة كبيرة فى الكتابة، وفى الإخراج معا، إنها سينما المشاعر، وليس الحواديت التقليدية، العمل يكون دوما على داخل الشخصيات، ولا يصلح أبدا أن تكتب مشاهد ممتازة متفرقة، وإنما لابد أن تصنع حالة متكاملة، إذا فشلت فى الوصول إليها، تتوه الخيوط، وتبهت المشاعر، وفى «فوتوكوبى» بالتأكيد اجتهاد كبير، ومشاهد متفرقة جيدة، ولكن الحالة لم تصل، ضاعت تحت ضغط الحوارات الطويلة، وتاهت أمام تهافت أداء الممثلين، وخصوصا محمود حميدة فى دور محمود فوتوكوبى، وشيرين رضا فى شخصية صفية، وهما بطلا الحكاية: الأول صاحب محل تصوير مستندات فى عبده باشا بالعباسية، وكان يعمل سابقا فى قسم الجمع فى دار الهلال، وحيد وخارج العالم تقريبا، والثانية وحيدة ومريضة بالسكر، ابنها يعمل فى الخارج، تونسها أغنيات قديمة تسمعها، ولقاءات مع صيدلانية تتحدث معها، وهى تعطيها حقنة الأنسولين، ويفترض أن يجتمع محمود وصفية معا، لاكتشاف الحياة، والحب، ولكسر الدائرة المحكمة التى تحيط بهما.
أولى مشكلات السيناريو هى أنه لا يعبر إلا بالكلام والحوار، حتى شككت أن الفيلم كتبت أجزاء منه كمسلسل إذاعى، الحوار مهم فى التعبير عن المشاعر، ولكنه يفترض أن يقول فقط، ما تعجز أن تقوله الصورة، ولكنه هنا «عرض متواصل» بدون هدنة، وتأتى المشكلة الثانية فى أننا لا نعرف جذور هذا الإعجاب من محمود تجاه صفية، ولا نعرف عنه أصلا سوى أنه كان يعمل فى قسم الجمع فى مؤسسة صحفية كبرى، ولكن من هو؟ ولماذا لم يتزوج؟ ولماذا صفية بالذات؟ وكيف يفكر فى الزواج وهو مدين للآخرين؟، كلها أسئلة لا يراها الفيلم مهمة، ثم تظهر المشكلة الثالثة التى تقوم عليها الدراما كلها: هل يوجد فعلا شخص لا يعرف ما حدث للديناصورات؟ وإذا افترضنا وجود هذا الشخص.. هل يكفى ذلك لكى تكون قراءة مقال عن الديناصورات سببا فى أن يغير الفرد حياته بهذه السرعة؟! إن أفضل أجزاء الفيلم هى تلك التى تم فيها التعبير بالصورة، سواء فى شكل نظرات بين محمود وصفية، أو فى القطع المتوازى بينهما، وهى عموما أجزاء قليلة، لأن منطق الكتابة من الأساس، هو السرد بالكلمات، وكلما رأينا مشهدا نادرا يحرك المشاهد، تحبطنا المشاهد التالية بعيدا عنه، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى اضطراب المعالجة، فمرة تركز على أزمة محمود المستقلة، ومرة تعود إلى علاقته مع صفية... وهكذا.
ربما لو كان أداء الممثلين أفضل لتوارت مشكلات الكتابة قليلا، ولكن لسوء الحظ، فإن أداء حميدة وشيرين للشخصيتين انصب على الإطار الخارجى فقط، من حيث الهيئة والحركة، كلاهما يقلدان شكل رجل عجوز، وامرأة مسنة ومريضة، أما التعبير عن مشاعر الشخصية الداخلية، فهو نادر وشحيح وغير ناجح أحيانا، بل إن الحركة عند شيرين رضا بدت مصطنعة، وتغير صوتها من الضعف إلى القوة من مشهد إلى آخر، وظهر حميدة فاغرا فمه فى مشاهد كثيرة، فأعطى انطباعا غير صحيح بأننأ أمام شخص أقرب إلى البلاهة، مع أن محمود فوتوكوبى شخص ذكى وإيجابى لو أراد، مثلما شاهدنا فى صراعه مع رئيس اتحاد الملاك، وقرب النهاية، بدا كما لو أن الفيلم يبحث عن أزمة، فظهرت حكاية اعتراض ابن صفية على زواج أمه، والعجيب أن الابن لم يظهر، وإنما سمعنا عن اعتراضه!!
أفضل ممثلى الفيلم هو الواعد أحمد داش فى دور الصبى عبدالعزيز، إنك لا تحس لحظة تصنع واحدة، وكأنك أمام ولد من الشارع، شكلا ومضمونا، ليت المخرج أدار حميدة وشيرين مثلما أدار داش، وليته تعامل بشكل أعمق مع بطلى الفيلم، مثلما اجتهد كثيرا فى توظيف صورة محمد عبدالرءوف، وموسيقى ليال وطفة، وديكورات على حسام، ومثلما اعتنى مع مصممة الملابس ناهد نصر الله بشكل وهيئة محمود وصفية والصبى عبدالعزيز، لا شك فى أن المخرج بذل جهدا كبيرا، ولكن المشكلة هى أن هذه النوعية من الأفلام، لا ينقذها مشهد أو اثنين، وإنما لابد أن تترك لديك ذكرى وعاطفة وحالة من الشجن، وأداء لا ينسى من الممثلين، ولا شىء من ذلك لدينا، مع الأسف، فى فيلم «فوتوكوبى».

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات