دون يأس أو اكتفاء بالسخرية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دون يأس أو اكتفاء بالسخرية

نشر فى : الإثنين 29 فبراير 2016 - 8:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 فبراير 2016 - 8:40 ص

هى أستاذة جامعية، تخصصها الأدب الأمريكى المعاصر، شاركت فى تأسيس حركة للحقوق المدنية يمكن ترجمة مسماها إما إلى «حياة السود تهم» أو إلى «لحياة السود أهمية»، تنشط فى مجالات مواجهة العنصرية والدفاع عن حقوق المجموعات السكانية غير البيضاء فى الولايات المتحدة الأمريكية، تكتب كثيرا عن المخيلة العنصرية فى الأدب وعن المفردات اللغوية والصور الرمزية التى مازالت متداولة أدبيا على الرغم من أنها ذات طبيعة عنصرية واضحة. بالأمس جلست إليها فى أعقاب محاضرة ألقتها عن الحقوق المدنية.

الأستاذة: ما بك؟ لماذا تنظر بكل هذا العبوس؟

الكاتب: لست عابسا. فقط أفكر فى سردك لتاريخ حركة الحقوق المدنية والصعوبات الكثيرة التى واجهتها وتواجهها فى انتزاع المساواة الكاملة وفى حماية حقوق الأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية.

الأستاذة: لم نعد نخجل من استخدام عبارة الأمريكيين السود، فهذا لون بشرتنا ونحن فخورون به. التحايل بتعبيرات لغوية كالأمريكيين ذوى الأصول الإفريقية يوحى بالتخلص من العنصرية، بينما هى حية ترزق وتخطف حياة الكثير من السود الذين يسقطون ضحايا لعنف أجهزة الشرطة،لكن، فى ماذا تفكر تحديدا؟

الكاتب: فى قدرتك مع شركائك فى حركة «حياة السود تهم» على الجمع بين الدفاع عن حقوق ــ سأستخدم تعبيرك ــ السود والمطالبة بجبر الضرر عن الضحايا وبين العمل كجماعة ضغط فى الكونجرس ، وفى الإعلام التقليدى والاجتماعى لتوعية الناس بخطر الصمت على العنصرية، وفى القضاء لتحريك المساءلة القانونية للمتورطين فى قتل بعض السود . من أين لكم بالطاقات البشرية والإمكانيات المالية للقيام بكل ذلك؟

الأستاذة:هى طاقات تراكمت خلال العقود الماضية والفضل يعود إلى حركات الحقوق المدنية السابقة. من جهة أخرى، حركتنا تعتمد على تطوع المتعاطفين معها بشىء من الوقت وبشىء من المال لإدارة جهودها. أنت هنا فى مجتمع يقدس العمل التطوعى، ويديره بشكل احترافى، ويؤمن تماما أن التغير الاجتماعى الجذرى كالتخلص من العنصرية لا يتحقق إلا بالمزج بين الضغط السياسى والتشريعى والقانونى على الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وبين تعبئة المتطوعين وتمكينهم من نقل الاقتناع بمبدأ المساواة إلى كل مكان.

الكاتب: وهل تجدون متطوعين فى جميع المجالات..فى تشريح المحتوى العنصرى لبعض الكتب المدرسية، فى المساعدة النفسية والمالية لأسر ضحايا العنف، فى متابعة أحكام المحاكم الخاصة بمساءلة المتورطين فى العنف والاستئناف على الكثير منها، فى الاحتجاجات الرمزية على الطرق السريعة للتوعية بتهميش الأمريكيين السود تعليميا وفى سوق العمل؟.

الأستاذة: نحن لا نجدهم. دعنى أُجِب على سؤالك بحكاية صغيرة عميقة المغزى. فى العديد من المدارس الابتدائية فى ولايات الجنوب الأمريكية، تستخدم كتب مدرسية بها بعض الصور والرموز العنصرية. مثلا لن تجد رائد الفضاء أو سيدة الأعمال الناجحة أو الطبيب الجراح من ذوى البشرة السوداء. لم يكن هذا اكتشافنا، بل اكتشاف تلميذة فى الصف السادس وهى التى ذهبت به إلى مكتب الحركة فى المدينة التى تعيش بها، وطلبت المساعدة فى إعداد كتب جديدة متوازنة. الآن لدينا شبكة متكاملة لتوزيع هذه الكتب ولإقناع إدارات المدارس باستخدامها، والتلميذة الشجاعة تشارك فى عملها. هم يأتون إلينا. والآن، اسمح لى أن أعود إليك، لماذا كل هذا الحزن؟

الكاتب: لن أنكر الحزن. فأخبار مصر بين مظالم وانتهاكات وضحايا للعنف الرسمى تتزايد أعدادهم، وبين إرهاب لا يتوقف، وبين حكم يريد السيطرة على كل عمل جماعى مستقل،هذه هى أسباب حزنى.

الأستاذة: وأنت تشعر بضعف من يجلسون على مقاعد بعيدة، أليس كذلك؟ فقط تذكر أن المجتمعات لا تتغير بسرعة أو فى يسر، وأن التراجع المخيف الذى تصفه سيدفع الناس إلى التفكير بوعى فيما ينشدون وسيفتح قريبا مساحات جديدة لعمل المصلحين ودعاة الحقوق والحريات. فقط تذكر ذلك، وواصل عملك اليومى للتوعية بإمكانية التغيير دون يأس أو اكتفاء بالسخرية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات