عندما تنتهى أحلام الطلاب السوريين بسبب ورقة - قضايا تعليمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما تنتهى أحلام الطلاب السوريين بسبب ورقة

نشر فى : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:39 م
رشا فايق 
  
ماذا يمكن أن تضع فى حقيبتك وأنت تستعد لمغادرة بلادك؟ أموال، بعض المجوهرات، ملابس شتوية وأخرى صيفية، صور عائلية وربما لعبة من زمن الطفولة. بالطبع لن تنسى وثائقك الشخصية، ولن تحتاج لمن يذكرك باصطحاب شهاداتك الدراسية الموثقة وربما المترجمة أيضا مع شهادات الخبرة التى جمعتها خلال مسيرتك المهنية. ربما ستصر على إيجاد متسع فى حقيبتك أيضا لبعض من شهاداتك المدرسية التى تثبت تفوقك فى الصف الثانى الابتدائى.

لكن ماذا لو لم يكن لديك الوقت أصلا لإعداد حقيبة السفر أو حتى ارتداء ملابسك؟ ماذا لو اضطررت لمغادرة منزلك فى منتصف الليل تحت قصف عنيف هربا من موت محتم أو اعتقال وشيك؟ هل ستفكر حينها بالصورة العائلية أم بأمن وسلامة العائلة نفسها؟ أكاد أجزم أنه لن يخطر فى بالك حتى اصطحاب أوراقك الثبوتية وربما لن تتمكن حتى من ارتداء حذاء الخروج. فغريزة الحياة لن تسمح لك سوى بالركض بعيدا عن أعز ما تملك فقط حفاظا على حياتك وحياة من تحب.

هكذا ركض مئات السوريين هربا من الموت والاعتقال والخطف، ليجدوا أنفسهم فى دول الجوار دون وثائق تثبت أسماءهم وأعمارهم ومستواهم التعليمى أيضا. كان التسجيل فى المفوضية السامية لشئون اللاجئين فرصة كبيرة للكثيرين، إذ مكنهم من الحصول على وثيقة تثبت هويتهم الشخصية وتعترف بها المؤسسات الرسمية فى الدول المستضيفة. لاحقا، أصدرت بعض الدول المضيفة كتركيا بطاقات التعريف للحماية المؤقتة يتمتع صاحبها بالميزات التى تقدمها الحكومة التركية كحق التعليم والرعاية الصحية ومنح المساعدات. كما تصدر وزارة الداخلية فى الأردن بطاقات أمنية بمثابة وثيقة شخصية للسوريين الموجودين فى المملكة. مع ذلك، فإن مئات من الطلاب السوريين غير قادرين على الالتحاق بالمدارس والجامعات بسبب عدم امتلاكهم لوثائق شخصية سورية وأيضا لعدم امتلاكهم أى وثائق تثبت مستواهم الأكاديمى.

***
الصيف الماضى، وخلال زيارتى لمدرسة على أطراف عمان تعمل بنظام الدوامين لاستيعاب الطلاب السوريين الوافدين، هالنى أن أرى صبية بعضهم أطول منى فى الصف الثانى الابتدائى. قال لى أحدهم «والله العظيم كنت فى الصف الأول الإعدادى، وكنت متفوقا جدا. لكننا غادرنا بيتنا فى نوى بملابس النوم. وبعد انقطاع لعامين عن الدراسة بسبب ظروفنا المعيشية الصعبة، تم قبولى فى المدرسة هنا لكن فى الصف الأول الابتدائى».

فى زيارة أخرى لمخيم الزعترى قبل شهرين، همست لى صبية عشرينية تجلس أمام شاشة كمبيوتر فى كرفان خصصته إحدى المنظمات الدولية للتعليم الإلكترونى، أنها تخضع حاليا لكورس إلكترونى فى اللغة الإنجليزية التى طالما حلمت بدراستها فى الجامعة. قالت «أنهيت امتحانات الثانوية العامة فى حمص، لكننى غادرت مدينتى قبل صدور النتائج. علمت لاحقا أننى نجحت لكننى لم أتمكن من الحصول على شهادتى الثانوية أبدا».

فى الأردن، كما هو الحال فى باقى دول الجوار، يتطلب الالتحاق بالمدارس خارج المخيمات والجامعات بطبيعة الحال تقديم أوراق ثبوتية سورية، إضافة إلى نسخ مصدقة من آخر شهادة أكاديمية حصل عليها الطالب لإثبات مستواه التعليمى فضلا عن البطاقة الأمنية التى تصدرها وزارة الداخلية. البعض ممن أسعفهم الوقت، قد يمتلكون وثائق شخصية وربما أكاديمية لكنها غير موثقة وبالتالى لا تعد مقبولة. مع ذلك، لا يجرؤ كثيرون على مراجعة السفارة السورية فى عمان لتوثيق أوراقهم، تحديدا الذكور لخوفهم من الخدمة الإلزامية فى الجيش.

هناك أيضا عدد لا بأس به من الطلاب الذين كانوا يدرسون فى الجامعات السورية، لكنهم لا يملكون ما يثبت ذلك. بعضهم اضطر لإعادة امتحان الثانوية العامة فى الأردن للالتحاق مجددا بالجامعة. قالت تسنيم، شابة عشرينية تقيم حاليا فى عمان، «قبل عامين، كنت فى السنة الثالثة فى كلية الهندسة المدنية فى دمشق، أنا اليوم طالبة سنة أولى فى كلية التجارة فى عمان. لست حزينة، لقد تمكنت من الالتحاق مجددا بالجامعة وإن كان باختصاص آخر. ابنة عمى كانت على وشك التخرج فى كلية العلوم من جامعة البعث فى حمص، لكنها اليوم تجلس فى المنزل فى إسطنبول لأنها لا تمتلك ما يثبت ذلك كما أنها لا تتقن التركية لإعادة امتحان الثانوية».

من جهة أخرى، يعتبر التحاق الطالب السورى بالجامعات الأردنية أمرا مكلفا. إذ تتم معاملته كطالب أجنبى ويُطلب منه تسديد الرسوم الجامعية بصورة مضاعفة. تمكن برنامج دولى أخيرا من تقديم منح لمجموعة من الطلاب السوريين للالتحاق بالجامعات الأردنية، لكن المنح تعثرت بعد إصرار وزارة التعليم الأردنية على تقديم الطلاب لوثائق شخصية سورية حديثة وأخرى أكاديمية لا يمتلكها عدد كبير من الطلاب.

تقول الجهات الرسمية فى البلاد المضيفة إنها ترغب بالتأكد من المستوى الأكاديمى للطلاب، وهذا أمر منطقى فى الحالة الطبيعية، لكنه يبدو شرطا تعجيزيا لمئات الطلاب السوريين الذين قد لا يمتلكون وثائق سورية تثبت هوياتهم.

***
فى المقابل وبعيدا جدا عن العالم العربى، أطلقت المكسيك برنامجا لاستقبال طلاب سوريين يقدم لهم تأشيرات دخول ووثائق رسمية مؤقتة مع إخضاعهم لامتحانات لتحديد مستواهم الأكاديمى قبل إلحاقهم بدورات لغة ومن ثم بالجامعات. قال أدريان ميلينديز، أحد المسئولين عن إطلاق المشروع، «أُعجبت بالقدرات الكامنة التى يمتلكها الشباب الذين التقيت بهم فى مخيمات اللاجئين. لقد عثرت على شباب موهوب جدا ومتعلم فى تلك المخيمات، لكن لا شىء لديهم سوى الانتظار بينما يفوتهم قطار الحياة فى الأثناء».

يعتقد ميلينديز بأهمية فحص تحديد المستوى الأكاديمى لتخطى عقبة غياب الوثائق الدراسية. إذ يمكن من خلال الامتحان تحديد إمكانات الطالب الدراسية والتأكد من مستواه التعليمى. قال «تتمحور الفكرة حول ضرورة إعطاء الفرصة للشباب لإكمال دراستهم، لابد من وجود بدائل وتوفير تسهيلات، خاصة أن الاستثمار فى تعليم الأشخاص الفارين من مناطق النزاع يصبح أحد أهم العناصر فى معادلة إعادة بناء المجتمعات المتضررة بالحرب».

لا يمكن إنكار وجود الكثير من النوايا الطيبة الراغبة بالمساعدة، لكن التعامل مع كارثة إنسانية يتطلب إجراءات استثنائية بعيدة عن التعقيدات البيروقراطية التى تستغرق فى الظروف الطبيعية أشهر طويلة. اليوم، تتوجه مؤسسات دولية كبيرة لتقديم منح دراسية للطلاب السوريين فى دول الجوار، لكن يبدو من المستحيل الاستفادة من هذه المنح فى ظل عدم توافر الأوراق الثبوتية والأكاديمية المطلوبة من مؤسسات الدول المضيفة. إن التفكير بوسائل بديلة للإجراءات الروتينية لمساعدة الطلاب السوريين على استكمال تعليمهم أمر ضرورى خاصة مع وجود برامج دولية تمويلية مساعدة.

فى كل مرة أسمع فيها عن معاناة طالب سورى لاستكمال تعليمه، أعود فيها إلى خزانتى لأتفقد شهاداتى الجامعية. لقد كنت محظوظة بشكل كبير لأننى أنهيت تعليمى قبل اندلاع الحرب ولأننى تمكنت من إعداد حقيبة سفرى بهدوء وروية. بينما لم تتمكن سارة، التى تعمل اليوم كبائعة فى محل للملابس النسائية فى بيروت والحاصلة على شهادة الصيدلة من جامعة دمشق من ذلك. قالت لى فى زيارتى الأخيرة للبنان، «لو كنت أعلم أن خروجى من بيتى المحترق من دون شهادتى الجامعية سيوصلنى إلى هنا لما كنت خرجت».
 
ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
التعليقات