قواعد اللعبة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قواعد اللعبة

نشر فى : السبت 29 مارس 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : السبت 29 مارس 2014 - 8:50 ص

ما هو «استثنائى» يخيم على الجو العام لانتخابات توشك أن تبدأ.

الانتخابات تجرى بعد ثورتين وإطاحة رئيسين وإلغاء الدستور مرتين ومرحلتين انتقاليتين آخرهما تدخل الآن استحقاقها الرئاسى.

فى المشهد مجتمع منهك، اقتصاده شبه معطل، وأمنه فى معركة يومية مع إرهاب تمركز قد تطول الحرب معه وسؤال عودة الدولة إلى أدوارها يضغط على مواطنيها.

صورة «عبدالفتاح السيسى»، وهو يعلن اعتزامه الترشح الرئاسى ببذلته العسكرية استثنائية بذاتها، فلم يسبق فى التاريخ المصرى الحديث كله أن استقال وزير للدفاع أو انتقل من موقعه العسكرى إلى رئاسة الدولة.

الصورة أثارت تساؤلات قلقة عن الحدود الفاصلة ما بين المنصب العسكرى الذى كان يشغله والدور السياسى الذى يتطلع إليه.

وتساؤلات أخرى عما إذا كان سيتمتع بمزايا نسبية عن منافسيه فى وسائل الإعلام يشى بها بث كلمته متحدثا بالزى العسكرى عبر محطات الدولة الرسمية عن عزمه الترشح الرئاسى.

التساؤلات فى محلها فأية انتخابات حرة ونزيهة لابد أن تخضع لقواعد صارمة تحكمها.

القضية لا تتعلق بنوايا الرجال بقدر ما تتعلق بإرساء القواعد.

ظروفه الاستثنائية تقتضى أن تكون حملته الانتخابية «غير تقليدية» ويصعب تصور أن تكون هناك مؤتمرات عامة مفتوحة أو جولات انتخابية حرة.

فهو رجل حياته مستهدفة من جماعات عنف وإرهاب وأمنه فى عهدة المؤسسة العسكرية.

أخذ وقته وأطال فيه حتى يعلن رسميا قراره وكانت فكرته الرئيسية أن تكون الفترة ما بين مغادرة وزارة الدفاع فى «كوبرى القبة» إلى دخوله المتوقع قصر الرئاسة فى «الاتحادية» بأضيق وقت ممكن.

بحسب معلومات مؤكدة فإنه هناك جدولا زمنيا لحواراته وأحاديثه التليفزيونية لمحطات دولية وعربية ومحلية من بينها حوار مع «كريستين أمانبور» المراسلة المتجولة الشهيرة لـ«سى إن إن» الأمريكية.

رغم ذلك كله فإن ما هو «استثنائى» لا يصح أن يجرى التعامل معه كأنه من أعمال الطبيعة التى لا قبل لأحد وقف أعاصيرها وزلازلها وبراكينها.

فهناك حدود للاستثناء تجاوزها إلى أبعد من ضروراته يعصف بالقيم الدستورية التى تلخص أعز ما فى الثورتين من تطلع لبناء دولة ديمقراطية حديثة.

هو رجل لا تعوزه الشعبية والنتائج لصالحه فى أية انتخابات حرة ونزيهة من جولتها الأولى على ما تؤكد الاستطلاعات والتوقعات غير أن الانتخابات تعنى الانتخابات، وأى تصرفات تخرق المعايير الديمقراطية تسحب من رصيد الشرعية السياسية والأخلاقية للرئاسة المقبلة.

لا يحتاج إلى جوقات تصرخ فى المكان أو دعايات تشى بإعادة إنتاج النظام الأسبق رغم التزاماته المعلنة بأنه لا عودة للوراء مطلقا.

ما يحتاجه عندما ينتخب رئيسا أن يجد شعبه بجواره مقتنعا ومؤازرا من أجل ما يستحقونه من «حياة أفضل بكرامة وأمن وحرية».. فـ«لا أحد يمكنه أن يجبر المصريون على اختيار رئيس لا يريدونه» على ما قال محقا.

أن تكون هناك قواعد تضمن نزاهة الإجراءات وحيدة الدولة وموضوعية الإعلام من مستلزمات إكساب الانتخابات الرئاسية جديتها وتنافسيتها.

إرساء القواعد مسألة مستقبل تجب أية اعتبارات مؤقتة والالتزام بها يساعد فى صناعة التوافقات السياسية الضرورية فى مهمة إنقاذ لبلد يعانى بقسوة.

أسوأ ما قد يحدث فى غمار الانتخابات الرئاسية الانجراف إلى حملات اغتيال الشخصية أو تبادل الإساءات المهينة التى تخرج المنافسة عن سياقها. وهذا يتطلب ميثاق شرف انتخابيا يوقع عليه المتنافسون المحتملون فى السباق الرئاسى، فالبلد لا يحتمل تدهورا أخلاقيا وسياسيا إضافيا على فاتورته المتخمة أو أن يقحم الجيش على أى نحو أو من أى جانب فى المساجلات السياسية الانتخابية.

التنافس الصحى والطبيعى، رغم أية ظروف استنثائية، يساعد على حيوية النقاش العام ومصارحة الشعب بالحقيقة وصناعة الأمل رغم صدمتها فى مهمة وصفها هو نفسه بأنها «عسيرة».

بترشحه فإن العنف مرشح لتصاعد وتيرته حتى تنزل الحقائق الرئاسية الجديدة على الأرض.. وبعدها حسابات آخرى قد يكون من بينها البحث عن منفذ سياسى للأزمة الحالية تسمح لمن لم تتم إدانته قانونيا بأن يكون شريكا فاعلا فى المستقبل «بغير حدود أو قيود».

يدرك بخبرته أن الحلول الأمنية وحدها لا تصلح وأن منفذا سياسيا يستند على الدستور ونصوصه قد يساعد فى تخفيض الاحتقانات السياسية ومحاصرة الإرهاب بصورة أكثر إحكاما لكنه لا توجد تصورات عملية حتى الآن استقر عليها وفق المعلومات المتاحة.

النزوع إلى الحلول الدستورية يعنى أولا احترام الدستور وإنفاذ روحه فى الانتخابات الرئاسية، أن نكون بلدا يحترم القانون ويرسى القواعد الديمقراطية لا بلدا يبايع حكامه أيا كان قدرهم.

وإذا ما أرادت مصر أن تكون ديمقراطية وحديثة فلا بد من أن يعود الجيش بأقرب وقت ممكن إلى مهامه الطبيعية فى حفظ الأمن القومى وهذه من أولى مهام المشير «السيسى» إذا ما انتخب رئيسا.

اتساق الحقائق أفضل ما فى ترشحه، فالكلام العشوائى الذى ساد فى مداخلات متواترة عن بقائه فى الجيش حتى يكون كرباجا يلهب أية رئاسة قادمة إذا ما نكلت بشعبها يعنى بالضبط إلغاء فكرة دولة المؤسسات، وهو كلام يفضى إلى ازدواجية فى السلطة وصدام مرجح بين المؤسستين السياسية والعسكرية.

فى البحث عن قواعد للانتخابات الرئاسية بحث آخر عن الدولة وطبيعتها ومستقبلها وإجابة أولية عن سؤال: إلى أين نحن ذاهبون؟

القواعد لا تعنى أحاديث مرسلة عن الدولة وحياديتها والقانون وإنفاذه ونزاهة الإجراءات الانتخابية وعدالة التغطيات الإعلامية بقدر ما تعنى أن تكون منضبطة ومقنعة وسارية أمام المجتمع والعالم.

فوق ذلك كله فإن إرساء القواعد يرفع منسوب استعداد الرأى العام لتقبل صدمة الحقيقة دون أن تنخفض شعبيته أو تتأثر صورته العامة، لا هو ولا أى أحد آخر ينحو إلى مصارحة شعبه بالحقائق المروعة التى تعانيها الدولة الآن.

المعضلة فى بلد شبه محطم أن كل ملفاته مفتوحة من الحرب على الإرهاب وضرورات الأمن لدوران حركة الاقتصاد إلى مستلزمات الحياة الضرورية فى العمل وتثبيت الأسعار والعدالة الاجتماعية والخدمات الأساسية فى الصحة والتعليم.

لا أولوية تسبق الأخرى ولا ملف واحد قابل للتأجيل.

فهل بوسع أى رئيس مهما ناطحت نواياه الحسنة الجبال العالية أن ينجح فى مهمة حلحلة أزمات من مثل هذا النوع بلا توافقات وطنية واسعة؟

التوافقات بطبيعتها من نتائج بيئات الحوار الصحية ووجود قواعد تضبط وترشد وتلهم، وهذا ما تحتاجه مصر الآن بفداحة رغم أوقاتها العصيبة والاستثنائية.