من ماما إلى حسام.. حوِّل! - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من ماما إلى حسام.. حوِّل!

نشر فى : الأحد 29 مارس 2015 - 9:55 ص | آخر تحديث : الأحد 29 مارس 2015 - 9:55 ص

شعور مباغت، ورغبة جارفة فى الاتصال بها داهمانى. كان الإنترنت وقتها مجرد فكرة، وكان سكايب فى علم الغيب. السبيل الوحيد للتواصل مع الوطن من قلب العاصمة الفنلندية هلسنكى كان البريد أو الهاتف. دسست يدى فى جيبى ولم أجد سوى عملة فضية صغيرة تسمح بالتواصل مع القاهرة تليفونيا لثوانٍ معدودة. وضعتها فى الهاتف العمومى وضغطت أزراره. فتح الخط على الجانب الآخر فهتفت: «إزيك يا ماما».

جاءنى صوتها ملهوفا «حسام.. إزيك يابنى.. الحمدلله إنك اتصلت» ثم انقطع الخط. ثوانٍ قليلة كانت كافية لطمأنتها ولأن تثبت لى بعدها بأيام، وبالدليل القاطع، أن بيننا رابطا ما أكثر قوة من أن يكون رباط العاطفة.

الارتباط القوى بين الأم وأبنائها له جوانب يصعب فهمها أو تفسيرها. صحيح أن الجنين يتكون من «خلطة» وراثية تتشكل من جينات الأب والأم معا، إلا أن الأشهر التسعة التى يعيشها فى بطن أمه تجعله، من الناحية البيولوجية، أكثر اندماجا وتأثرا بمكونات جسدها، أما الغريب فهو ما ثبت من أن حبل المشيمة الذى يربطه بها لا يشكل فقط جسرا لإمداده بالغذاء ومختلف السوائل، وإنما تبين أنه ينقل عكسيا بعضا من مكونات الجنين إلى الأم. عرف الباحثون المسألة عندما وجدوا أن سوائل جسم الأم، حتى بعد الولادة بفترات طويلة، تسبح فيها خلايا يستحيل أن تكون من جسدها هى، لأن أنويتها تحمل الكروموزوم Y الذى لا يوجد إلا فى خلايا الذكور. بعدها تبين لهم أن هذه الخلايا جاءت من الأجنة الذكور التى كانت تحملها هاتيك الأمهات، وانها تحركت عبر المشيمة، لتعيش فى أجساد الأمهات كمعلم من معالم هذا الارتباط النادر.

لاحقا اكتشفوا أيضا أن هذه الخلايا تتسلل من الدم إلى الدماغ وتستقر بين ثنايا المخ. هذه الحقيقة جعلتهم يشكون فى ارتباط ما بينها وبين الإصابة بمرض الألزهايمر، الذى ترتفع معدلاته بين السيدات اللاتى يتكرر مرورهن بتجربة الحمل والولادة. أما المدهش فهو اكتشافهم أن الأمر على عكس هذا تماما، وأن المصابات بمرض ألزهايمر تقل عندهن نسبة الخلايا الجنينية، التى ترتفع عند الخاليات من المرض.

ماذا تفعل هذه الخلايا بالتحديد فى أدمغة الأمهات؟ وهل لها علاقة بتحفيز الذاكرة أو باستمرار هذا الارتباط غير المرئى بينى وبين أمى عبر الأزمنة والمسافات؟ لا أدرى. ما أعلمه فقط هو أن ما حدث بعد اتصالى بها بفترة يثبت أن شيئا ما يتجاوز العاطفة وحدود العقل وما يعرفه العلم كان يربط بينى وبينها.

تركت هلسنكى إلى برلين بعد حديثى الهاتفى مع أمى بأيام، لأجد عند وصولى رسالة تنتظرنى منها. كانت تعلم بخطط سفرى وعنوانى المرتقب فبعثت برسالتها إلى برلين. فتحت الرسالة فإذا بأول سطر فيها يقول: «انت فين يا حسام؟ بقى لك فترة ما اتكلمتش.. عاوزه اسمع صوتك»، أما السطر الثانى «فكتبت فيه بعد أن وضعت نقطتين أو ثلاث».. الحمدلله انك اتصلت دلوقتى وسمعت صوتك».

بعبارة أخرى لم يكن عليها سوى أن تتمنى أن اتصل بها. وفى اللحظة ذاتها التى كتبت فيها أمنيتها فى الخطاب، وعلى بعد أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، جاءتنى الإشارة أو الأمر فاتصلت؟!

أمى.. عليك وعلى كل من رحل عنا من أمهات.. ألف نور ورحمة.

التعليقات